ونعوته الجليلة. أي يبيّنها في كتبه المنزلة. وقوله تعالى : (لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ) أي : لعلكم توقنون وتصدقون بأن هذا المدبر والمفصل ، لا بدّ لكم من المصير إليه ، بالبعث بعد الموت للجزاء ؛ فإن من تدبر حق التدبر ، أيقن أن من قدر على إبداع ما ذكر من الآيات العلوية. قدر على الإعادة والجزاء!.
لطائف :
الأولى ـ جوّز في قوله تعالى (اللهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ) أن يكون الموصول خبرا ، وأن يكون صفة ، والخبر (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ) ورجّح في (الكشف) الأول ، بأن قوله الآتي (وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ) [الرعد : ٣] ، عطف عليه على سبيل التقابل بين العلويات والسفليات وفي المقابل الخبرية متعينة ، فكذا هذا ليتوافقا. والجملة مقررة لقوله (وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُ) [الرعد : ١] ، وعدل عن ضمير الرب إلى الجلالة لترشيح التقرير. كأنه قيل : كيف لا يكون المنزل ممن هذه أفعاله هو الحق؟ وتعريف الطرفين لإفادة أنه لا مشارك له فيها. لا سيما وقد جعل صلة للموصول. وهذا أشد مناسبة للمقام ، من جعله وصفا مفيدا لتحقيق كونه مدبرا مفصلا ، مع التعظيم لشأنهما. والمقصود بالإفادة قوله : (لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ) فالمعنى أنه فعلها كلّها لذلك.
الثانية ـ قال القاضي : قوله تعالى (رَفَعَ السَّماواتِ ...) إلخ دليل على وجود الصانع الحكيم ، فإن ارتفاعها على سائر الأجسام المساوية لها في حقيقة الجرمية ، واختصاصها بما يقتضي ذلك ، لا بدّ وأن يكون بمخصص ليس بجسم ولا جسماني ، يرجح بعض الممكنات على بعض بإرادته ، وعلى هذا المنهاج سائر ما ذكر من الآيات.
الثالثة ـ (يُدَبِّرُ) و (يُفَصِّلُ) يقرآن بالياء والنون. وهما مستأنفان. أو الأول حال من ضمير (سخّر) والثاني من ضمير (يدبّر) أو كلاهما من ضمائر الأفعال المذكورة.
ولما قرر الشواهد العلوية. أردفها بذكر الدلائل السفلية على قدرته وحكمته.
فقال تعالى :
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ وَأَنْهاراً وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (٣)
(وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ) أي بسطها وجعلها متسعة ممتدّة في الطول والعرض لإخراج النعم الكثيرة منها.