بهم ، كيف تركتم عبادي؟ فيقول : أتيناهم وهم يصلّون وتركناهم وهم يصلّون.
وفي الحديث الآخر (١) : إن معكم من لا يفارقكم إلّا عند الخلاء ، وعند الجماع فاستحيوهم وأكرموهم!.
و (المعقبات) جمع معقبة من (عقّب) مبالغة في (عقب) فالتفعيل للمبالغة والزيادة في التعقيب فهو تكثير للفعل أو الفاعل ، لا للتعدية. لأن ثلاثيّه متعدّ بنفسه أصل معنى (العقب) مؤخر الرّجل. ثم تجوّز به عن كون الفعل بغير فاصل ومهلة. كأن أحدهم يطأ عقب الآخر. قال الراغب : عقبه إذا تلاه. نحو دبره وقفاه وقيل : هو من (اعتقب) أدغمت التاء في القاف ؛ وردّوه بأن التاء لا تدغم في القاف من كلمة أو كلمتين. وقد قال أهل التصريف : إن القاف والكاف ، كل منهما يدغم في الآخر ولا يدغمان في غيرهما. والتاء في (معقبة) واحدة (المعقبات) للمبالغة لا للتأنيث ، لأن الملائكة لا توصف به. مثل نسابة وعلامة. أو هي صفة جماعة وطائفة. و (مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ) ظرف مستقر صفة (مُعَقِّباتٌ) أو ظرف لغو متعلق بها. و (من) لابتداء الغاية أو حال من الضمير الذي في الظرف الواقع خبرا. والكلام على هذه الأوجه يتم عند قوله (وَمِنْ خَلْفِهِ). ويجوز أن يكون ظرفا ل (يَحْفَظُونَهُ) أي : معقبات يحفظونه من بين يديه ومن خلفه ، أي تحفظ ما قدم وأخر من الأعمال ، كناية عن حفظ جميع أعماله ، ويجوز أن يكون (يَحْفَظُونَهُ) صفة ل (مُعَقِّباتٌ) أو حالا من الظرف قبله ، بمعنى أن المعقبات محيطة بجميع جوانبه.
تنبيهات :
الأول ـ ما قدمناه في معنى الآية هو الأشهر. وعن ابن عباس : هو السلطان الذي له حرص من بين يديه ومن خلفه.
قال الزمخشري : أي يحفظونه في توهمه وتقديره ، من أمر الله. أي من قضاياه ونوازله. أو على التهكم به.
قال الرازي : وهذا القول اختاره أبو مسلم الأصفهاني. والمعنى : أنه يستوي في علم الله تعالى السرّ والجهر. والمستخفي بظلمة الليل والسارب المستظهر بالأعوان والأنصار. وهم الملوك والأمراء! فمن لجأ إلى الليل فلن يفوت الله أمره ، ومن سار نهارا بالمعقبات وهم ، الحراس والأعوان الذين يحفظونه ـ لم ينجه حرسه من الله تعالى!
__________________
(١) لم أقف على هذا الحديث بعد البحث عنه في ما بين يديّ من أصول السنّة.