وسنته القويمة ، حلّ بهم ما ينقلهم إلى المحن والبلايا ، ويفرّق كلمتهم ، ويوهي قوّتهم ، ويسلط عدوّهم!
وفي حديث قدسي عند ابن أبي حاتم : ليس من أهل قرية ولا أهل بيت يكونون على طاعة الله ، فيتحوّلون منها إلى معصية الله ، إلّا حوّل الله عنهم ما يحبون إلى ما يكرهون.
ولابن أبي شيبة : ما من قرية ولا أهل بيت ، كانوا على ما كرهت من معصيتي ، ثم تحوّلوا عنها إلى ما أحببت من طاعتي ، إلّا تحوّلت لهم عما يكرهون من عذابي ، إلى ما يحبون من رحمتي.
وقال القاشاني : لا بدّ في تغيير النعم إلى النقم ، من استحقاق جليّ أو خفيّ.
وعن بعض السلف : إن الفارة مزّقت خفّي. وما أعلم ذلك إلّا بذنب أحدثته ، وإلّا ما سلطها الله عليّ! وتمثّل بقول الشاعر :
لو كنت من مازن لم تستبح إيلي
أقول : المنقول عن بعض السلف مجمول على شدة الخوف منه تعالى ، وإلّا فالتحقيق الفرق بين ما ينال الشخص والقوم ، كما أشارت له الآية. وقد جوّد الكلام في ذلك ، الإمام ، مفتي مصر في (رسالة التوحيد) في بحث الدين الإسلامي فقال :
كشف الإسلام عن العقل غمة من الوهم فيما يعرض من حوادث الكون الكبير (العالم) والكون الصغير (الإنسان). فقرّر أن آيات الله الكبرى في صنع العالم إنما يجري أمرها على السنن الإلهية! التي قدرها الله في علمه الأزلي. لا يغيّرها شيء من الطوارئ الجزئية. غير أنه لا يجوز أن يغفل شأن الله فيها. بل ينبغي أن يحيي ذكره عند رؤيتها ، فقد جاء على لسان النبيّ صلىاللهعليهوسلم : «إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم ذلك فاذكروا الله» (١). وفيه التصريح بأن جميع آيات الكون تجري على نظام واحد لا يقضي فيه إلّا العناية الأزلية على السنن التي أقامته عليها. ثم أماط اللثام عن حال الإنسان في النعم التي يتمتع بها الأشخاص أو الأمم ، والمصائب التي يرزؤن بها. ففصل بين الأمرين (الأشخاص والأمم) فصلا لا مجال معه للخلط بينهما.
__________________
(١) أخرجه البخاريّ في : الكسوف ، ٢ ـ باب الصدقة في الكسوف ، حديث رقم ٥٨٤ ، عن عائشة.
ومسلم في : الكسوف ، ٢ ـ باب ذكر عذاب القبر في صلاة الخسوف ، حديث رقم ٨.