والتذكير في (كلم) لتغليب المذكر من الموتى على غيره.
وقوله تعالى (بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً) أي : له الأمر الذي عليه يدور فلك الأكوان وجودا وعدما ، يفعل ما يشاء. ويحكم ما يريد لما يدعو إليه من الحكم البالغة وهو إضراب عما تضمنته (لَوْ) من معنى النفي ، أي : لو أن قرآنا فعل به ما ذكر لكان هذا القرآن. ولكن لم يفعل بل فعل ما عليه الشأن الآن ، لأن الأمر كله له وحده ، وعلى تقدير الزجاج السالف ، فالإضراب متوجه إلى ما سلف اقتراحهم مع كونهم في العناد على ما شرح. أي : فليس لهم ذلك بل لله الأمر جميعا. إن شاء أتى بما اقترحوا وإن شاء لم يأت به حسبما تستدعيه الحكمة ، من غير أن يكون عليه تحكم أو اقتراح. كذا في أبي السعود.
وقوله تعالى (أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً) أي : أفلم يعلم ويتبيّن كقوله :
ألم ييأس الأقوام أنّي أنا ابنه |
|
وإن كنت عن أرض العشيرة نائيا |
وقوله :
أقول لهم بالشّعب إذ ييسرونني |
|
ألم تيأسوا أني ابن فارس زهدم |
أي : ألم تعلموا! وييسرونني من إيسار الجزور ، أي يقسمونني ، ويروى : يأسرونني من (الأسر). أي : أفلم يعلموا أنه تعالى لو شاء هدايتهم لهداهم ، لأن الأمر له. ولكن قضت الحكمة أن يكون بناء التكليف على الاختيار. (وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي : من أهل مكة (تُصِيبُهُمْ بِما صَنَعُوا قارِعَةٌ) أي : بسبب ما صنعوه من الكفر والتمادي فيه. وعدم بيانه لتهويله أو استهجانه والقارعة : الداهية التي تقرع وتقلق ، يعنى ما كان يصيبهم من أنواع البلايا والمصائب من القتل والأسر والنهب والسلب (أَوْ تَحُلُ) أي : تلك القارعة (قَرِيباً) أي : مكانا قريبا (مِنْ دارِهِمْ) فيفزعون منها ويتطاير إليهم شررها (حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللهِ) أي : فتح مكة (إِنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ) أي : لا ينقض وعده لرسله بالنصرة لهم ولأتباعهم في الدنيا والآخرة ، كما قال تعالى : (فَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ) [إبراهيم : ٤٧] ، وفي الآية وجه آخر ، وهو حمل (لِلَّذِينَ كَفَرُوا) على جميع الكفار أي : لا يزالون ، بسبب تكذيبهم ، تصيبهم القوارع في الدنيا أو تصيب من حولهم ليعتبروا ، كقوله تعالى : (وَلَقَدْ أَهْلَكْنا ما حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرى وَصَرَّفْنَا الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [الأحقاف : ٢٧] ، وقوله : (أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها ، أَفَهُمُ الْغالِبُونَ) [الأنبياء : ٤٤].