القول في تأويل قوله تعالى :
(فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبارَهُمْ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ (٦٥) وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ (٦٦) وَجاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ) (٦٧)
(فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ) أي فاذهب بهم في الليل (بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ) أي في طائفة منه وهي آخره (وَاتَّبِعْ أَدْبارَهُمْ) أي كن على أثرهم تذودهم وتسرع بهم وتطلع على حالهم (وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ) أي لينظر ما وراءه ، فيرى من الهول ما لا يطيقه (وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ ، وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ) أي يستأصلون عن آخرهم ، حال كونهم داخلين في الصبح (وَجاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ) أي مدينة لوط ، وهي سدوم (يَسْتَبْشِرُونَ) أي بأضيافه ، طمعا فيهم.
القول في تأويل قوله تعالى :
(قالَ إِنَّ هؤُلاءِ ضَيْفِي فَلا تَفْضَحُونِ (٦٨) وَاتَّقُوا اللهَ وَلا تُخْزُونِ (٦٩) قالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعالَمِينَ (٧٠) قالَ هؤُلاءِ بَناتِي إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ (٧١) لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ (٧٢) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ (٧٣) فَجَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ (٧٤) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ (٧٥) وَإِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ (٧٦) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ) (٧٧)
(قالَ إِنَّ هؤُلاءِ ضَيْفِي فَلا تَفْضَحُونِ) أي بالإساءة إليهم. فإن الإساءة إليهم فضيحة للمضيف (وَاتَّقُوا اللهَ وَلا تُخْزُونِ) ، (قالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعالَمِينَ) أي عن أن تجير أحدا منهم أو تدفع عنهم أو تمنع بيننا وبينهم ، فإنهم كانوا يتعرضون لكل أحد. وكان يقوم صلىاللهعليهوسلم بالنهي عن المنكر والحجر بينهم وبين المتعرّض له. فأوعدوه وقالوا : (لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ) [الشعراء : ١٦٧] ، أفاده الزمخشري.
(قالَ هؤُلاءِ بَناتِي إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ) تقدم الكلام عليه في سورة هود ، مفصلا (لَعَمْرُكَ) قسم بحياة النبي صلىاللهعليهوسلم اعترض به تعبا من شدة غفلتهم وتكريما للمخاطب (إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ) أي غفلتهم التي ذهبت معها أحلامهم (يَعْمَهُونَ) أي يترددون فلا يفهمون ما يقال لهم. ولما لم يسمعوا منه ، النصيحة المبقية لهم ، أسمعهم الله الصيحة المهلكة لهم (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ) أي صيحة العذاب