يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ) يعني لم أستنكر ذلك قنوطا من رحمته ، ولكن استبعادا له في العادة التي أجراها الله تعالى. والتصريح برحمة الله في أحسن مواقعه.
القول في تأويل قوله تعالى :
(قالَ فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (٥٧) قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (٥٨) إِلاَّ آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ (٥٩) إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنا إِنَّها لَمِنَ الْغابِرِينَ) (٦٠)
(قالَ) أي إبراهيم. بعد أن ذهب عنه الروع (فَما خَطْبُكُمْ) أي أمركم الخطير الذي لأجله أرسلتم ، سوى البشارة (أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ ، قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ) أي إلى إهلاكهم. يعنون قوم لوط (إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ) ، (إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنا إِنَّها لَمِنَ الْغابِرِينَ) أي الباقين مع الكفرة ، لتهلك معهم. وإسناد التقدير لهم مجازيّ من باب قول خواصّ الملك (دبرنا كذا وأمرنا بكذا) وإنما يعنون دبر ملك وأمر. هذا إذا كان (قدرنا) بمعنى أردنا وقضينا. وإن كان بمعنى علمنا ، فلا غرو في علم الملائكة ذلك ، بإخباره تعالى إياهم به.
ومن الناس من يجعل (قدرنا) من كلامه تعالى ، غير محكيّ عن الملائكة. قال في (الانتصاف) وهو الظاهر لاستغنائه عن التأويل.
القول في تأويل قوله تعالى :
(فَلَمَّا جاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ (٦١) قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (٦٢) قالُوا بَلْ جِئْناكَ بِما كانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ (٦٣) وَأَتَيْناكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَصادِقُونَ) (٦٤)
(فَلَمَّا جاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ) ، (قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ) أي لا أعرفكم ولا أدري من أي الأقوام أنتم وما أقدمكم.
وقال المهايميّ : أي يخاف منكم تارة وعليكم أخرى. والظاهر أنه قال ذلك لهم ، بعد معاناته الشدائد من قومه لأجلهم. كما فصل في سورة هود (قالُوا بَلْ جِئْناكَ بِما كانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ) أي العذاب الذي كنت تتوعدهم به ، فيمرّون به ، ويكذّبونك (وَأَتَيْناكَ بِالْحَقِ) أي اليقين مع هلاكهم (وَإِنَّا لَصادِقُونَ).