سكران : سكر هوى وسكر مدامة |
|
ومتى إفاقة من به سكران؟ |
الثاني ـ قوله تعالى : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ) قال السيوطيّ في (الإكليل) : هذه الآية أصل في الفراسة. أخرج الترمذيّ من حديث أبي سعيد مرفوعا : «اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله» (١). ثم قرأ هذه الآية. وقد كان بعض قضاة المالكية يحكم بالفراسة في الأحكام ، جريا على طريق إياس بن معاوية. انتهى. وقد أجاد الكلام في الفراسة ، الراغب الأصفهانيّ في كتاب (الذريعة) حيث قال في الباب السابع : وأما الفراسة ، فالاستدلال بهيئة الإنسان وأشكاله وألوانه وأقواله ، على أخلاقه وفضائله ورذائله.
وربما يقال : هي صناعة صيادة لمعرفة أخلاق الإنسان وأحواله. وقد نبه الله تعالى على صدقها بقول : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ) [الحجر : ٧٥] ، وقوله : (تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ) [البقرة : ٢٧٣] ، وقوله : (وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ) [محمد : ٣٠] ، ولفظها من قولهم (فرس السبع الشاة) فكأن الفراسة اختلاس المعارف. وذلك ضربان : ضرب يحصل للإنسان عن خاطر لا يعرف سببه ، وذلك ضرب من الإلهام ، بل ضرب من الوحي. وإياه عنى النبي صلىاللهعليهوسلم بقوله (٢) : «المؤمن ينظر بنور الله» وهو الذي يسمى صاحبه المروّع والمحدّث. وقال عليه الصلاة والسلام (إن يكن في هذه الأمة محدّث ، فهو عمر) (٣).
وقيل في قوله تعالى : (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ) [الشورى : ٥١] الآية : إنما كان وحيا بإلقائه في الروع ، وذلك للأنبياء كما قال عزوجل : (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ ، عَلى قَلْبِكَ) [الشعراء : ١٩٣ ـ ١٩٤] ، وقد يكون بإلهام في حال اليقظة وقد يكون في حال المنام. ولأجل ذلك قال عليه الصلاة والسلام : (الرؤيا الصادقة جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة) (٤).
والضرب الثاني من الفراسة يكون بضاعة متعلمة وهي معرفة ما بين الألوان والأشكال ، وما بين الأمزجة والأخلاق والأفعال الطبيعية. ومن عرف ذلك كان ذا فهم
__________________
(١) أخرجه الترمذيّ في : التفسير ، ١٥ ـ سورة الحجر ، ٦ ـ باب حدثنا محمد بن إسماعيل.
(٢) أخرجه الترمذيّ في : التفسير ، ١٥ ـ سورة الحجر ، ٦ ـ باب حدثنا محمد بن إسماعيل ، عن أبي سعيد الخدريّ ، من حديث.
(٣) أخرجه البخاريّ في : فضائل أصحاب النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، ٦ ـ باب مناقب عمر بن الخطاب ، أبي حفص القرشيّ ، العدويّ ، رضي الله عنه ، الحديث رقم ١٦٢٨ عن أبي هريرة.
(٤) أخرجه البخاريّ في : التعبير ، ٢ ـ باب رؤيا الصالحين ، الحديث رقم ٢٥٣٦ ، عن أنس بن مالك.