في بلادهم. (لَها شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ) [الشعراء : ١٥٥] ، فلما عتوا وعقروها ، قال : (تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ، ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ) [هود : ٦٥].
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَكانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً آمِنِينَ (٨٢) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ (٨٣) فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (٨٤) وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلاَّ بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (٨٥) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ (٨٦) وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ) (٨٧)
(وَكانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً آمِنِينَ) أي من حوادث الدهر (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ) أي وقت الصباح من اليوم الرابع. وفي سورة الأعراف : (فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ) [الأعراف : ٧٨] أي الزلزلة وهي من توابع الصيحة. أو هي مجاز عنها.
(فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ) أي ما كانوا يستغلونه من زروعهم وثمارهم التي ضنوا بمائها عن الناقة ، حتى عقروها لئلا تضيق عليهم في المياه ، فما دفعت عنهم تلك الأموال لما جاء أمره تعالى : (وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِ) أي إلا خلقا متلبسا بالحق والحكمة الثابتة ، التي لا تقبل التغير. وهي الاستدلال بها على الصانع وصفاته وأسمائه وأفعاله ليعرفوه فيعبدوه ، بحيث لا يلائم استمرار الفساد. ولذلك اقتضت الحكمة إرسال الرسل مبشرين ومنذرين. (وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ) أي فيجزي كلا بما كانوا يعملون (فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ) أي عاملهم معاملة الصفوح الحكيم ، كقوله : (فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ ، فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) [الزخرف : ٨٩].
وقوله تعالى : (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ) تقرير للمعاد ، وأنه تعالى قادر على إقامة الساعة. فإنه الخلّاق الذي لا يعجزه خلق شيء ، العليم بما تمزّق من الأجساد وتفرق في سائر أقطار الأرض كقوله تعالى : (أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ ، بَلى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ) [يس : ٨١].
(وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ) قال الرازي إنه تعالى لما صبّره على أذى قومه وأمره بأن يصفح الصفح الجميل ، أتبع ذلك بذكر النعم العظيمة التي خصه بها. لأن الإنسان إذا تذكر كثرة نعم الله عليه ، سهل عليه الصفح والتجاوز.
(والسبع المثاني) هو القرآن كله كما قاله ابن عباس في رواية طاوس. لقوله