لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) [الصافات : ١٥١ ـ ١٥٤]. ثم أشار إلى شدة كراهتهم للإناث ، بما يمثل عظم تلك النسبة إلى الجناب الأقدس وفظاعتها ، بقوله سبحانه وتعالى :
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (٥٨) يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ) (٥٩)
(وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ) أي صار أو دام النهار كله (مُسْوَدًّا) أي متغيرا من الغم والحزن والغيظ والكراهية التي حصلت له عند هذه البشارة. وسواد الوجه وبياضه يعبر عن المساءة والمسرة ، كناية أو مجازا. (وَهُوَ كَظِيمٌ) أي مشتد الغيظ على امرأته لأنه ، بزعمه ، حصل له منها ما يوجب أشد الحياء حتى أنه (يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ) أي يستخفي منهم (مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ) أي من أجله وخوف التعبير به. ثم يفكر فيما يصنع به ، وهو قوله تعالى : (أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ) أي محدثا نفسه متفكرا في أن يتركه على هوان وذلّ ، لا يورّثه ولا يعتني به ، ويفضل ذكور ولده عليه (أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ) أي يخفيه ويدفنه فيه حيّا (أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ) أي حيث يجعلون الولد ، الذي هذا شأنه من الحقارة والهون عندهم ، لله تعالى وتقدس. ويجعلون لأنفسهم من هو على عكس هذا الوصف. وقوله تعالى :
القول في تأويل قوله تعالى :
(لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (٦٠)
(لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) أي مثل من ذكرت مساوئهم (مَثَلُ السَّوْءِ) أي صفات الذل من الحاجة إلى الأولاد وكراهة الإناث ووأدهن ، خشية الإملاق ، المنادى كل ذلك بالعجز والقصور والشحّ البالغ. ووضع الموصول موضع الضمير ، للإشعار بأن مدار اتصافهم بتلك القبائح هو الكفر بالآخرة (وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى) أي الوصف العالي الشأن ، وهو الغنيّ عن العالمين. والكمال المطلق والتقدس عن سمات المخلوقين : (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
ثم أخبر تعالى عن حلمه بخلقه ، مع ظلمهم ، بقوله :