شبه العظم وفيه ليونة ، وما هي في العظم ، لكثرة الحاجة إلى استعماله. وهو مقام الأسنان في غير الطير من الحيوان. وقوى سبحانه أصل الريش وجعله قصبا منسوبا فيما يناسبه من الجلد الصلب في الأجنحة ولأجل كثرة الطيران ولأن حركة الطيران قوية فهو محتاج إلى الإتقان لأجل الريش. وجعل ريشه وقاية مما يضره من حر أو برد. ومعونة متخللة الهواء للطيران. وخص الأجنحة بأقوى الريش وأثبته وأتقنه ، لكثرة دعاء الحاجة إليه. وجعل في سائر بدنه ريشا غيره كسوة ووقاية وجمالا له. وجعل في ريشه من الحكمة ، أن البلل لا يفسده والأدران لا توسخه. فإن أصابه ماء كأن أيسر انتفاض يطرد عنه بلله فيعود إلى خفته. وجعل له منفذا واحدا للولادة وخروج فضلاته لأجل خفته وخلق ريش ذنبه معونة له على استقامته في طيرانه. فلولاه لما مالت به الأجنحة في حال الطيران يمينا وشمالا. فكان له بمنزل رجل السفينة الذي يعدل بها سيرها. وخلق في طباعه الحذر وقاية لسلامته. ولما كان طعامه يبتلعه بلعا بل مضغ ، جعل لبعضه منقارا صلبا يقطع به اللحم ويقوم له مقام ما يقطع بالمدية. وصار يزدرد ما يأكله صحيحا. وأعين بفضل حرارة في جوفه تطحن الطعام طحنا يستغنى به عن المضغ وثقل الأسنان. واعتبر ذلك بحبّ العنب وغيره. فإنه يخرج من بطون الحيوان صحيحا وينسحق في أجواف الطير. ثم إنه خلقه يبيض ولا يلد لئلا يثقل عن الطيران. فإنه لو خلقت فراخه في جوفه حتى يكمل خلقها لثقل بها وتعوّق عن النهوض للطيران. أفلا ترى كيف دبر كل شيء من خلقه بما يليق به من الحكمة؟ انتهى ملخصا.
ثم بين تعالى نعمته على البشر ليستدل به على وحدانيته ، بقوله ، عطفا على ما مرّ :
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَها يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوافِها وَأَوْبارِها وَأَشْعارِها أَثاثاً وَمَتاعاً إِلى حِينٍ) (٨٠)
(وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً) أي موضعا تسكنون فيه وتأوون إليه لما لا يحصى من وجوه منافعكم (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً) أي بيوتا أخرى وهي الخيام والفساطيط والقباب المتخذة من الجلود نفسها ، أو من الوبر والصوف والشعر أيضا. فإنها من حيث كونها نابتة على جلودها يصدق عليها أنها من جلودها أو