الجلود مجاز عن المجموع (تَسْتَخِفُّونَها يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقامَتِكُمْ) أي تجدونها خفيفة المحمل وقت ترحالكم ووقت نزولكم في مراحلكم. لا يثقل عليكم ضربها. أو هي خفيفة عليكم في أوقات السفر والحضر جميعا. قيل : والأول أولى. لأن ظهور المنة في خفتها إنما يتحقق في حال السفر. وأما المستوطن فغير مثقل (وَمِنْ أَصْوافِها وَأَوْبارِها وَأَشْعارِها) أي وجعل لكم من أصواف الضّأن وأوبار الإبل وأشعار المعز (أَثاثاً وَمَتاعاً إِلى حِينٍ) الأثاث ما يتخذ للاستعمال بلبس أو فرش. والمتاع ما يتخذه للتجارة. وقيل هما بمعنى. ومعنى (إلى حين) أي إلى أن تقضوا منه أوطاركم. أو إلى أن يبلى ويفنى. أو إلى أن تموتوا.
تنبيه :
استدل بالآية على طهارة جلود المأكولات وأصوافها وأوبارها وأشعارها ، إذا خرجت في الحياة أو بعد التذكية. واستدل بعموم الآية من أباحها مطلقا ولو من غير مذكاة. كذا في (الإكليل).
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلالاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبالِ أَكْناناً وَجَعَلَ لَكُمْ سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ) (٨١)
(وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ) أي من الشجر والجبال والأبنية وغيرها (ظِلالاً) أي أفياء تستظلون بها من حر الشمس (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبالِ أَكْناناً) أي بيوتا ومعاقل وحصونا تستترون بها (وَجَعَلَ لَكُمْ سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ) جمع سربال وهو كل ما يلبس من القطن. والكتان والصوف ونحوها. وإنما خص الحرّ ، اكتفاء بذكر أحد الضدين عن ذكر الآخر. أو لأن الوقاية من الحر أهم عند العرب ، لشدته بأكثر بلادهم وخصوصا قطّان الحجاز وهم الأصل في هذا الخطاب. قيل : يبعده ذكر وقاية البرد سابقا في قوله : (لَكُمْ فِيها دِفْءٌ) [النحل : ٥] وهو وجه الاقتصار على الحرّ هنا ، لتقدم ذكر خلافه (وَسَرابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ) كالدروع من الحديد والزرد ونحوها. التي يتقى بها سلاح العدوّ في الحرب (كَذلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ) أي إرادة أن تنظروا فيما أسبغ عليكم من النعم الظاهرة والباطنة والأنفسية والآفاقية ، فتسلموا وجوهكم إليه تعالى ، وتؤمنو به وحده.