القرآن لرادك إليه ومعيدك يوم القيامة وسائلك عن أداء ما فرض عليك. هذا أحد الأقوال ، وهو متجه حسن. انتهى.
و (التبيان) من المصادر التي بنيت على هذه الصيغة لتكثير الفعل والمبالغة فيه. أي تبيينا لكل علم نافع من خبر ما سبق وعلم ما سيأتي وكل حلال وحرام ، وما الناس محتاجون إليه في أمر دنياهم ودينهم ومعاشهم ومعادهم (وَهُدىً) أي هداية لمن استسلم وانقاد لسلامة فطرته إلى كماله (وَرَحْمَةً) أي له بتبليغه إلى ذلك الكمال بالتربية والإمداد ، ونجاته من العذاب ، وبشارة له بالسعادة الأبدية. وقوله تعالى :
القول في تأويل قوله تعالى :
(إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (٩٠)
(إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ) أي فيما نزله تبيانا لكل شيء (بِالْعَدْلِ) وهو القسط والتسوية في الحقوق فيما بينكم. وترك الظلم وإيصال كل ذي حق حقه (وَالْإِحْسانِ) أي التفضيل بأن يقابل الخير بأكثر منه ، والشر بأن يعفو عنه (وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى) أي إعطاء القرابة ما يحتاجون إليه (وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ) أي عما فحش من الذنوب وأفرط قبحها كالزنى (وَالْمُنْكَرِ) أي كل ما أنكره الشرع (وَالْبَغْيِ) أي العدوان على الناس (يَعِظُكُمْ) أي بما يأمركم وينهاكم (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) أي تتّعظون بمواعظ الله ، فتعملون بما فيه رضا الله تعالى.
وروى ابن جرير عن ابن مسعود : إن أجمع آية في القرآن ، لخير وشر ، هذه الآية. وروى الإمام أحمد (١) : أن عثمان بن مظعون مرّ على النبيّ صلىاللهعليهوسلم وهو جالس بفناء بيته. فكشر إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم. فقال له ألا تجلس؟ فقال : بلى. فجلس. ثم أوحي إليه هذه الآية فقرأها عليه : قال عثمان : فذلك حين استقر الإيمان في قلبي وأحببت محمداصلىاللهعليهوسلم.
ولما تليت الآية على أكثم بن صيفي قال لقومه : إني أراه يأمر بمكارم الأخلاق وينهى عن ملائمها. فكونوا في هذا الأمر رؤساء ولا تكونوا فيه أذنابا. وعن عكرمة أن
__________________
(١) أخرجه الإمام أحمد في مسنده ١ / ٣١٨ ، والحديث رقم ٢٩٢٢.