الكافرين ، فليس هو مستحقا لما يستحقه أهل الإيمان والتقوى من كرامة الله عزوجل ، فلا يجوز على التقديرين أن يعتقد فيه أحد أنه وليّ لله ، لكن إن كان له حالة في إفاقته كان فيها مؤمنا بالله متقيا ، كان له من ولاية الله بحسب ذلك ، وإن كان له في حال فيه كفر أو نفاق ، أو كان كافرا أو منافقا ثم طرأ عليه الجنون ، فهذا فيه من الكفر والنفاق ما يعاقب عليه ، وجنونه لا يحبط عنه ما يحصل منه حال إفاقته من كفر أو نفاق.
فصل
وليس لأولياء الله شيء يتميزون به عن الناس في الظاهر من الأمور المباحات ، فلا يتميزون بلباس دون لباس ، ولا بحلق شعر أو تقصيره أو ضفره ، إذا كان كلاهما مباحا ، كما قيل : كم من صديق في قباء ، وكم من زنديق في عباء. بل يوجدون في جميع أصناف أمة محمد صلىاللهعليهوسلم إذا لم يكونوا من أهل البدع الظاهرة والفجور. فيوجدون في أهل القرآن ، وأهل العلم ، ويوجدون في أهل الجهاد والسيف ، ويوجدون في التجار والصناع والزراع. وكان السلف يسمون أهل الدين والعلم (القراء) فيدخل فيهم العلماء والنساك. ثم حدث بعد ذلك اسم الصوفية والفقراء واسم (الصوفية) ، نسبة إلى لباس الصوف. هذا هو الصحيح ، وقد قيل إنه نسبة إلى صفوة الفقهاء وقيل إلى (صوفة بن أد) قبيلة من العرب كانوا يعرفون بالنسك ، وقيل إلى أهل الصفا. وقيل إلى الصفوة ، وقيل إلى الصفة ، وقيل إلى الصف المقدم بين يدي الله تعالى. وهذه أقوال ضعيفة فإنه لو كان كذلك لقيل : صفي ، أو صفائي ، أو صفي ، ولم يقل صوفي. وصار أيضا اسم الفقراء يعني به أهل السلوك ، وهذا عرف حادث وقد تنازع الناس : أيما أفضل : مسمى الصوفي أو مسمى الفقير؟ ويتنازعون أيضا : أيما أفضل؟ الغنيّ الشاكر ، أو الفقير الصابر؟ والصواب في هذا كله ما قاله تبارك وتعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا ، إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) [الحجرات : ١٣] وفي الصحيح (١) عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم أنه سئل : «أي الناس أفضل؟ قال : أتقاهم». فدل
__________________
(١) أخرجه البخاريّ في : الأنبياء ، ٨ ـ قول الله تعالى : (وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً) ، حديث رقم ١٥٨٧.
وأخرجه مسلم في : الفضائل ، حديث رقم ١٦٨.