وفي الصحيحين (١) عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «قد كان في الأمم قبلكم محدّثون ، فإن كان في أمتي أحد ، فعمر منهم». وكان عمر يقول : اقتربوا من أفواه المطيعين ، واسمعوا منهم ما يقولون ، فإنه يتجلى لهم أمور صادقة. والمحدّث الذي يأخذ عن قلبه أشياء ، ليس بمعصوم ، فيحتاج أن يعرضه على ما جاء به النبيّ المعصوم صلىاللهعليهوسلم ولهذا كان عمر رضي الله عنه يشاور الصحابة ويناظرهم ويرجع إليهم في بعض الأمور ، وينازعونه في أشياء فيحتج عليهم ، ويحتجون عليه بالكتاب والسنة ، ويقررهم على منازعته ، ولا يقول لهم : أنا محدّث ملهم مخاطب فينبغي لكم أن تقبلوا مني ولا تعارضوني. فأيّ من ادعى له أصحابه أنه وليّ الله ، وأنه مخاطب يجب على أتباعه أن يقبلوا منه كل ما يقوله ولا يعارضوه ويسلموا له حاله من غيره اعتبار بالكتاب والسنة ـ فهو وهم مخطئون. ومثل هذا من أضل الناس. فعمر بن الخطاب رضي الله عنه أفضل منه ، وهو أمير المؤمنين ، وكان المسلمون ينازعونه ويعرضون ما يقول ، هو وهم ، على الكتاب والسنة. وقد اتفق سلف الأمة وأئمتها على أن كل أحد يؤخذ من قوله ويترك ، إلا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وهذا من الفروق بين الأنبياء وغيرهم. ولذا قال الجنيد : علمنا هذا مقيد بالكتاب والسنة. وقال أبو عثمان النيسابوريّ : من أمّر السنة على نفسه قولا وفعلا نطق بالحكمة ، ومن أمّر الهوى على نفسه قولا وفعلا نطق بالبدعة ، لقوله تعالى : (وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا) [النور : ٥٤] وقال أبو عمرو بن نجيد : كل وجد لا يشهد له الكتاب والسنة فهو باطل.
فأولياء الله تعتبر بصفاتهم وأفعالهم وأحوالهم التي دل عليها الكتاب والسنة ، ويعرفون بنور الإيمان والقرآن ، وبحقائق الإيمان الباطنة ، وشرائع الإسلام. فإذا كان الشخص مباشرا للنجاسات والخبائث التي يحبها الشيطان ، أو يأوي إلى الحمّامات والحشوش التي تحضرها الشياطين ، أو يأكل الحيات والعقارب والزنابير وآذان الكلاب التي هي خبائث وفواسق. أو يشرب البول ونحوه من النجاسات التي يحبها الشيطان. أو يدعو غير الله فيستغيث بالمخلوقات ، ويتوجه إليها ، أو يسجد إلى ناحية شيخه ولا يخلص الدين لرب العالمين. أو يلابس الكلاب أو النيران ، أو يأوي إلى المزابل ، والمواضع النجسة ، أو يأوي إلى المقابر ، لا سيما إلى مقابر الكفار من
__________________
(١) أخرجه البخاريّ في : فضائل أصحاب النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، ٦ ـ باب مناقب عمر بن الخطاب ، أبي حفص القرشيّ العدويّ رضي الله عنه ، حديث رقم ١٦٢٨ ، عن أبي هريرة.
وأخرجه مسلم في : فضائل الصحابة ، حديث رقم ٢٣ ، عن عائشة.