عليه ؛ وإن أريد (الإسلام) بمعنى الانقياد ، كان شرطا في التوكل ، لا ملزوما له ، وحينئذ يكون معناه : إن صح إيمانكم يقينا فعليه توكلوا ، بشرط أن تكونوا منقادين. كما تقول : إن كرهت هذا الشجر فاقلعه إن قدرت ـ انتهى ـ.
وقال الكرخيّ : قوله تعالى : (إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ) أي منقادين لأمره فقوله : (فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا) جواب الشرط الأول. والشرط الثاني وهو (إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ) شرط في الأول. وذلك أن الشرطين متى لم يترتبا في الوجود ، فالشرط الثاني شرط في الأول. ولذلك لم يجب تقديمه على الأول. قال الفقهاء : المتأخر يجب أن يكون متقدما ، والمتقدم يجب أن يكون متأخرا. مثاله : قول الرجل لامرأته : إن دخلت الدار فأنت طالق إن كلمت زيدا فمجموع قوله : (إن دخلت الدار فأنت طالق) مشروط (إن كلمت زيدا) والمشروط متأخر عن الشرط ، وذلك يقتضي أن يكون المتأخر في اللفظ ، متأخرا في المعنى. فكأنه يقول لامرأته : حال ما كلمت زيدا إن دخلت الدار فأنت طالق ، فلو حصل هذا المعلق قبل إن كلمت زيدا لم يقع لم يقع الطلاق فقوله تعالى : (إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ ...) إلخ يقتضي أن يكون كونهم مسلمين شرطا لأن يصيروا مخاطبين بقوله (إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا) فكأنه تعالى يقول للمسلم حال إسلامه : إن كنت من المؤمنين بالله فعلى الله توكل. والأمر كذلك ، لأن الإسلام عبارة عن الاستسلام وهو الانقياد لتكاليف الله ، وترك التمرد والإيمان عبارة عن معرفة القلب بأن واجب الوجود لذاته واحد ، وما سواه محدث تحت تدبيره وقهره. وإذا حصلت هاتان الحالتان فعند ذلك يفوض العبد جميع أموره إليه تعالى ، ويحصل في القلب نور التوكل على الله تعالى. انتهى.
القول في تأويل قوله تعالى :
(فَقالُوا عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (٨٥)
(فَقالُوا عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) أي موضع فتنة لهم ، أي عذاب يعذبوننا ويفتنوننا عن ديننا. قال الحاكم : دلت على حسن السؤال بالنجاة من الظلمة.
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَنَجِّنا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكافِرِينَ) (٨٦)
(وَنَجِّنا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكافِرِينَ) أي من كيدهم ، ومن شؤم مشاهدتهم ، والعبودية لهم.