قاسية ، واطبع عليها ، حتى لا تنشرح للإيمان (فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ) أي يعاينوه ويوقنوا به ، بحيث لا ينفعهم ذلك إذ ذاك وقوله : (فَلا يُؤْمِنُوا) جواب. للدعاء ، أو دعاء بلفظ النهي.
قال ابن كثير : هذه الدعوة كانت من موسى عليهالسلام ، غضبا لله ولدينه على فرعون وملئه الذي تبين له أنه لا خير فيهم ، ولا يجيء منهم شيء. كما دعا نوح عليهالسلام فقال : (رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً ، إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً) [نوح : ٢٦ ـ ٢٧] ، ولهذا استجاب تعالى لموسى فيهم هذه الدعوة التي شركه فيها أخوه هارون كما أخبر بقوله سبحانه :
القول في تأويل قوله تعالى :
(قالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما فَاسْتَقِيما وَلا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) (٨٩)
(قالَ) تعالى (قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما فَاسْتَقِيما) أي على أمري ، ولا تعجلا ، فإن مطلوبكما كائن في وقته لا محالة (وَلا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) أي في الاستعجال أو عدم الوثوق بوعده تعالى ، أو يعني فرعون وقومه ، بقوله سبحانه :
ثم أشار تعالى إلى إجابته دعائهما في إهلاك فرعون وقومه.
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (٩٠)
(وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ) أي لحقهم (فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً) أي لأجل البغي عليهم والاعتداء (حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ) يرجو النجاة من الغرق (آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ) وذلك أن موسى عليهالسلام لما رغب إلى فرعون أن يطلق الإسرائيليين من عبوديته ، ويأذن لهم بالسراح إلى فلسطين ليعبدوا ربهم ، أبى وتمرد ، فضربه الله وقومه بالآيات التسع ، كما تقدم في سورة (الأعراف) فأذن لموسى وشعبه بالخروج من مصر ، فارتحل بنو إسرائيل جميعا بمواشيهم وأثاثهم ، ثم ندم فرعون وملؤه على إطلاقهم من خدمتهم ، فاشتد فرعون وجنوده في أثرهم ليردهم ، فأدركهم وهم نازلون عند البحر ، فرهب