ثمّ بيّن تعالى إعراضهم بجسمهم أيضا ، إلى الإشارة إلى توليهم بقلبهم ، بقوله : (أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ) أي يزورّون عن الحق واستماعه بصدورهم (لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ) أي في قلوبهم (وَما يُعْلِنُونَ) أي يجهرون بأفواههم (إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) أي بما في ضمائر القلوب. ونظير ما حكي هنا عن مشركي مكة من كراهتهم لاستماع كلامه تعالى ، ما قاله تعالى عن قوم نوح : (وَإِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْباراً) [نوح : ٧] ، وما ذكرناه هو أظهر ما تحمل عليه الآية ـ والله أعلم ـ.
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللهِ رِزْقُها وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها كُلٌّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ) (٦)
(وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُها) أي ما تعيش به ، وإنما جيء بـ (على) اعتبارا لسبق الوعد به ، وتحقيقا لوصوله إليها البتة ، بطريق التكفل الشبيه بالإيجاب (وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها) أي مسكنها في الدنيا. أو في الصّلب (وَمُسْتَوْدَعَها) أي بعد الموت ، أو في الرحم (كُلٌ) أي من الدواب ورزقها ومستقرها ومستودعها (فِي كِتابٍ مُبِينٍ) أي مسطور في كتاب عنده تعالى ، مبين عن جميع ذلك.
ثم بين تعالى عظيم قدرته في تكوينه وإبداعه بقوله :
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ) (٧)
(وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) من الأحد إلى الجمعة (وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ) أي ما كان تحته قبل خلق السموات والأرض ، وارتفاعه فوقها ، إلا الماء. وفيه دليل على أن العرش والماء كانا مخلوقين قبل السموات والأرض ـ كذا في الكشاف ـ.
قال القاضي : أي لم يكن بينهما حائل ، لا أنه كان موضوعا على متن الماء.
قال : قتادة : ينبئنا تعالى في هذه الآية كيف كان بدء خلقه قبل أن يخلق السموات والأرض.