بمعاملة المختبر مع المختبر ، ليعلم حاله ويجازيه ، فاستعير له الابتلاء على سبيل التمثيل ، (ليبلوكم) موضع (يعاملكم) ويصح أن يكون مجازا مرسلا ، لتلازم العلم والاختبار. أي : خلق ذلك ليعلم ، أي : ليظهر تعلق علمه الأزليّ بذلك.
قال القاشانيّ : جعل غاية خلق الأشياء ظهور أعمال الناس. أي : خلقناهم لنعلم العلم التفصيليّ التابع للوجود الذي يترتب عليه الجزاء ، (أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) ، فإن علم الله قسمان : قسم يتقدم وجود الشيء في اللوح ، وقسم يتأخر وجوده في مظاهر الخلق. والبلاء الذي هو الاختبار هو هذا القسم ـ انتهى ـ.
ونحو هذه الآية قوله تعالى : (وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلاً ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا) [ص : ٢٧] ، وقوله : (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ ، فَتَعالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ ، لا إِلهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ) [المؤمنون : ١١٥ ـ ١١٦] ، وقوله سبحانه : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات : ٥٦].
وقوله تعالى : (وَلَئِنْ قُلْتَ) أي لأهل مكة (إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ) أي محيون (مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا) أي القول بالبعث ، أو القرآن المتضمن لذكره (إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) أي مثله في الخديعة والبطلان.
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ ما يَحْبِسُهُ أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) (٨)
(وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ) أي جماعة من الأوقات محصورة. والعذاب هو عقاب الآخرة ، أو عذاب الدنيا ببدر ، أو هلاك المستهزئين الذين ماتوا قبل بدر (لَيَقُولُنَ) أي استهزاء (ما يَحْبِسُهُ) أي عنا. (أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ وَحاقَ بِهِمْ) أي دار ونزل بهم (ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) أي العذاب الذي كانوا به يستعجلون.
لطيفة :
(الأمة) تستعمل في الكتاب والسنة في معان متعددة. فيراد بها الأمد ، كما هنا وقوله في يوسف : (وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ) [يوسف : ٤٥] ، والإمام المقتدى به ، كقوله : (إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ) [النحل : ١٢٠] ، والملة والدين كآية : (إِنَّا وَجَدْنا