رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ) [هود : ٧٦].
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُونَ) (٣٨)
(وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ) حكاية حال ماضية لاستحضار صورتها العجيبة. وقيل : تقديره وأخذ يصنع الفلك ، (وَكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ) أي هزءوا به ، بمعالجة السفينة (قالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا) أي في صنع الفلك (فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ) أي لجهلكم (كَما تَسْخَرُونَ).
القول في تأويل قوله تعالى :
(فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ) (٣٩)
(فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ) أي في الدنيا فيجعله محلا للسخرية (وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ) أي في الآخرة ، يدوم معه الخزي.
وقوله تعالى :
القول في تأويل قوله تعالى :
(حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَما آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ) (٤٠)
(حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا) أي بإهلاك قومه. و (حَتَّى) غاية لقوله (ويصنع) وما بينهما حال من الضمير فيه ، و (سخروا منه) جواب (كلّما). (وَفارَ التَّنُّورُ) أي وجه الأرض أو كل مفجر ماء ، أو محفل ماء الوادي ، أو عين ماء معروفة ، أو الكانون الذي يخبز فيه ، أو تنوير الفجر ـ أقوال حكاها اللغويون والمفسرون ـ زاد بعضهم احتمال أن يكون هذا كناية عن اشتداد الأمر ، كما يقال : (حمي الوطيس) والوطيس التنور ، وهو من فصيح الكلام وبليغه ، وعندي أنه أظهر الأوجه المذكورة وأرقها وأبدعها وأبلغها ، وإن حاول الرازي رده ، كأنه قيل : واشتد الأمر ، وقوي انهمار الماء ونبوعه. وهذا الإيجاز في مجازه الرهيب ، قد بينته آيات أخر ، وهي : (فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ. وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ) [القمر : ١١ ـ ١٢]