بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
القول في تأويل قوله تعالى :
(الْحَمْدُ لِلَّهِ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١) ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (٢)
(الْحَمْدُ لِلَّهِ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي مبتدئها ومبدعها من غير سبق مثل ومادة (جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) أي ذوي أجنحة متعددة متفاوتة في العدد ، حسب تفاوت ما لهم من المراتب. ينزلون بها ويعرجون أو يسرعون بها. وفي الصحيح (١) أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم رأى جبريل عليهالسلام ليلة أسري به ، وله ستمائة جناح. ولهذا قال سبحانه (يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ) أي يزيد في خلق الأجنحة وغيره ما يشاء. مما تقتضيه حكمته : (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ) أي نعمة سماوية كانت أو أرضية (فَلا مُمْسِكَ لَها) أي لا أحد يقدر على إمساكها (وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ). أي من بعد إمساكه (وَهُوَ الْعَزِيزُ) الغالب على كل ما يشاء (الْحَكِيمُ) أي في أمره وصنعه.
القول في تأويل قوله تعالى :
(يا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) (٣)
(يا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ) أي لتستدلوا بها على وحدته في ألوهيته. لأنه المنفرد بإرسالها وحده. ولا يصح لمن انفرد بالإنعام أن يشرك معه غيره. لأنه كفران له موجب لغضبه. وهذا ما أشار له بقوله تعالى : (هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ
__________________
(١) أخرجه البخاري في : بدء الخلق ، ٧ ـ باب إذا قال أحدكم آمين والملائكة في السماء ، حديث ١٥٢٦ ، عن ابن مسعود