القول في تأويل قوله تعالى :
(وَاللهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْواجاً وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ) (١١)
(وَاللهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْواجاً) أي ذكرانا وإناثا. لطفا منه ورحمة (وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ) أي من أحد. وإنما سمي معمرا لما يؤول إليه. أي وما يمدّ في عمر أحد (وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتابٍ) وهو علمه تعالى الذي سبق. ببلوغ أصله إليه (إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ) أي : الحفظ والزيادة أو النقص ، سهل. لشمول علمه وعموم قدرته.
لطيفة :
الضمير في (عمره) للمعمر قبله. باعتبار الأصل المحوّل عنه. لأن الأصل (وما يعمر من أحد) كما ذكرنا. أو هو على التسامح المعروف فيه ، ثقة في تأويله بأفهام السامعين : كقولهم (له عليّ درهم ونصفه) أي نصف درهم آخر. أو للمنقوص من عمره لا للمعمر ، كما في الوجه السابق ، وهو وإن لم يصرح به في حكم المذكور ، كما قيل (وبضدها تتبين الأشياء) فيعود الضمير على ما علم من السياق. وقد أطال بعضهم الكلام في ذلك. ومحصله ، كما ذكره الشهاب ، أنه اختلف في معنى (معمره) فقيل : المزاد عمره. بدليل ما يقابله من قوله (يُنْقَصُ) إلخ. وقيل (من يجعل له عمر). وهل هو واحد أو شخصان؟ فعلى الثاني هو شخص واحد. قالوا مثلا : يكتب عمره مائة ثم يكتب تحته مضى يوم ، مضى يومان ، وهكذا ، فكتابة الأصل هي التعمير. والكتابة بعد ذلك هو النقص. كما قيل :
حياتك أنفاس تعدّ فكلما |
|
مضى نفس منها انتقصت به جزءا |
والضمير في (عمره) حينئذ راجع إلى المذكور. والمعمّر هو الذي جعل الله له عمرا طال أو قصر. وعلى القول الأول هو شخصان. والمعمر الذي يزيد في عمره. والضمير حينئذ راجع إلى (معمر آخر) إذ لا يكون المزيد من عمره منقوصا من عمره. وهذا قول الفرّاء وبعض النحويين. وهو استخدام أو شبيه به. انتهى.
ثم أشار تعالى لآيات أخرى من آيات قدرته ووحدانيته ، بقوله :