أسماعهم عن الحق ، وإعراضهم عن الإصغاء إليه. ولو كان فيهم إحداهما ، لكفاهم ذلك. فكيف وقد جمعوهما؟ (وَما أَنْتَ بِهادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ) أي ما تسمع (إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ) أي منقادون لما تأمرهم به من الحق.
تنبيه :
قال ابن كثير : وقد استدلت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بهذه الآية (فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى) ، على توهيم (١) عبد الله بن عمر في رواية مخاطبة النبيّ صلىاللهعليهوسلم القتلى الذين ألقوا في قليب بدر ، بعد ثلاثة أيام ، ومعاتبته إياهم وتقريعه لهم. حتى قال له عمر : يا رسول الله! ما تخاطب من قوم قد جيّفوا؟ فقال : والذي نفسي بيده! ما أنتم بأسمع لما أقول ، منهم. ولكن لا يجيبون. وتأولته عائشة على أنه قال : إنهم الآن يعلمون أن ما كنت أقول لهم حق.
وقال قتادة : أحياهم الله له حتى سمعوا مقالته ، تقريعا وتوبيخا ونقمة.
ثم قال ابن كثير : والصحيح عند العلماء رواية عبد الله بن عمر ، لما لها من الشواهد على صحتها من وجوه كثيرة. من أشهر ذلك ، ما رواه ابن عبد البر مصححا له عن ابن عباس مرفوعا(ما من أحد يمر بقبر أخيه المسلم ، كان يعرفه في الدنيا ، فيسلّم عليه إلا ردّ الله عليه روحه حتى يرد عليهالسلام). انتهى.
وقال ابن الهمام : أكثر مشايخنا على أن الميت لا يسمع استدلالا بهذه الآية ونحوها. ولذا لم يقولوا : بتلقين القبر. وقالوا : لو حلف لا يكلم فلانا ، فكلمه ميتا لا يحنث. وأورد عليهم قوله صلىاللهعليهوسلم في أهل القليب (ما أنتم بأسمع منهم) وأجيب تارة بأنه روي عن عائشة رضي الله عنهما أنها أنكرته. وأخرى بأنه من خصوصياته صلىاللهعليهوسلم معجزة له. أو أنه تمثيل. كما روي عن علي كرم الله وجهه. وأورد عليه ما في مسلم (٢) من أن الميت يسمع قرع نعالهم إذا انصرفوا. إلا أن يخص بأول الوضع في القبر ، مقدمة للسؤال ، جمعا بينه وبين ما في القرآن. نقله الشهاب.
القول في تأويل قوله تعالى :
(اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ (٥٤) وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ كَذلِكَ كانُوا يُؤْفَكُونَ) (٥٥)
__________________
(١) الحديثان أخرجهما البخاري في : الجنائز ، ٨٧ ـ باب ما جاء في عذاب القبر ، حديث ٧٢٦ و ٧٢٧.
(٢) أخرجه مسلم في : الجنة وصفة نعيمها وأهلها ، حديث رقم ٧١.