(اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ) قرئ بفتح الضاد وضمها. أي من أصل ضعيف هو النطفة (ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ) يعني حال الطفولة والنشء (قُوَّةً) يعني حال البلوغ والشبيبة إلى الاكتهال وبلوغ الأشدّ (ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً) أي بالشيخوخة والهرم (يَخْلُقُ ما يَشاءُ) أي من الأشياء. ومنها هذه الأطوار التي يتقلب بها الإنسان (وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ) أي الواسع العلم والقدرة. كيف؟ وهذا الترديد في الأحوال المختلفة والتغيير من صفة إلى صفة ، أظهر دليل على علم الصانع سبحانه وقدرته ، المستتبع انفراده بالألوهية (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ) أي في الدنيا أو القبور. وإنما يقدرون وقت لبثهم بذلك على وجه استقصارهم له. أو ينسون أو يكذبون أو يخمنون (كَذلِكَ كانُوا يُؤْفَكُونَ) أي مثل ذلك الصرف كانوا يصرفون عن الصدق والتحقيق في الدنيا. وهكذا كانوا يبتون أمرهم على خلاف الحق. كذا في (الكشاف).
وقال ابن كثير : يخبر تعالى عن جهل الكفار في الدنيا والآخرة. ففي الدنيا فعلوا ما فعلوا من عبادة الأوثان. وفي الآخرة يكون منهم جهل عظيم أيضا. فمنه إقسامهم بالله أنهم ما لبثوا غير ساعة واحدة في الدنيا. ومقصودهم بذلك عدم قيام الحجة عليهم ، وأنهم لم ينظروا حتى يعذر إليهم. انتهى.
وقال الشهاب : المراد من قوله : (كَذلِكَ كانُوا يُؤْفَكُونَ) ، تشابه حاليهم في الكذب وعدم الرجوع إلى مقتضى العلم. لأن مدار أمرهم على الجهل والباطل. والغرض من سوق الآية وصف المجرمين بالتمادي في الباطل ، والكذب الذي ألفوه. انتهى.
وقيل : كان قسمهم استقلالا لأجل الدنيا ، لما عاينوا الآخرة ، تأسفا على ما أضاعوا في الدنيا.
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (٥٦) فَيَوْمَئِذٍ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ) (٥٧)
(وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ) ردّا لما حلفوا عليه ، وإطلاعا لهم على الحقيقة (لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللهِ) أي فيما كتبه الله وأوجبه بحكمته (إِلى يَوْمِ