المكذبين ، ثم أريد ذكر ما حاق بهم من العذاب جزاء لتكذيبهم ، كرر ذلك مصحوبا بالزيادة المذكورة ، ليلى قوله تعالى : (فَحَقَّ عِقابِ) على سبيل التطرية المعتادة عند طول الكلام. وهو كما قدمته في قوله : (وَكُذِّبَ مُوسى) [الحج : ٤٤] ، حيث كرر الفعل ليقترن بقوله : (فَأَمْلَيْتُ لِلْكافِرِينَ) [الحج : ٤٤]. انتهى.
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَما يَنْظُرُ هؤُلاءِ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً ما لَها مِنْ فَواقٍ) (١٥)
(وَما يَنْظُرُ هؤُلاءِ) أي أهل مكة (إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً) أي أخذة واحدة بعذاب بئيس. يقال : صاح الزمان بهم ، إذا هلكوا. كما قال :
صاح الزمان بآل برمك صيحة |
|
خرّوا لشدّتها على الأذقان |
وأصله من الغارة إذا عافصت القوم فوقعت الصيحة فيهم (ما لَها مِنْ فَواقٍ) أي من توقف مقدار فواق. وهو ما بين الحلبتين. أو رجوع وترداد. فإنه فيه يرجع اللبن إلى الضرع ف (فواق) إما بحذف مضافين أو مجاز مرسل بذكر الملزوم وإرادة لازمه. وقرئ بالضم. وهما لغتان. وقيل : المفتوح اسم مصدر من (أفاق المريض) إفاقة وفاقة ، إذا رجع إلى الصحة. والمضموم اسم ساعة رجوع اللبن للضرع.
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَقالُوا رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ) (١٦)
(وَقالُوا رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا) أي نصيبنا من العذاب الذي وعدته. كقوله تعالى : (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ) [الحج : ٤٧] و [العنكبوت : ٥٣ و ٥٤] ، (قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ) أي الجزاء. وقولهم ذلك على سبيل الاستهزاء والسخرية. كما قص عنهم نظائره في عدة آيات.
القول في تأويل قوله تعالى :
(اصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ) (١٧)
(اصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ) أي فقد وعدت بالنصر والظفر والملك والتأييد ، كما أوتي داود عليهالسلام ، مما سارت به الأمثال ولذا قال تعالى : (وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ) أي : القوة. أي : الاجتهاد في أداء الأمانة والتشدد في القيام بالدعوة ومجانبة إظهار الضعف والوهن (إِنَّهُ أَوَّابٌ) أي رجّاع إليه تعالى بالإنابة والخشية والعبادة والصيام.