القول في تأويل قوله تعالى :
(إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ (١٨) وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ) (١٩)
(إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ) أي تبعا لتسبيحه (بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً) أي مجموعة عنده يسبحن معه (كُلٌّ لَهُ) أي لله تعالى (أَوَّابٌ) أي مطيع منقاد. يرجع بتسبيحه وتقديسه إليه.
قال ابن كثير : أي أنه تعالى سخر الجبال تسبح معه عند إشراق الشمس وآخر النهار. كما قال عزوجل : (يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ) [سبأ : ١٠] ، وكذلك كانت الطير تسبح بتسبيحه وترجّع بترجيعه ، إذا مرّ به الطير وهو سابح في الهواء ، فسمعه وهو يترنم بقراءة الزبور لا يستطيع الذهاب. بل يقف في الهواء ويسبح معه وتجيبه الجبال الشامخات ترجّع معه ، وتسبح تبعا له. انتهى. أي بأن خلق فيها حياة ونطقا. أو كان له عليهالسلام من شدة صوته الحسن دويّ في الجبال. وحنين من الطيور إليه ، وترجيع. وقد عهد من الطير القمريّ أنه ينتظر سكتة المصوّت والقارئ بصوت حسن أو المنشد ، فيجيبه ، والله أعلم.
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَشَدَدْنا مُلْكَهُ وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطابِ) (٢٠)
(وَشَدَدْنا مُلْكَهُ) أي قويناه بوفرة العدد والعدد ونفوذ السلطة وإمداده بالتأييد والنصر (وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ) أي النبوة أو الكلام المحكم المتضمن للمواعظ والأمثال والحضّ على الآداب ومكارم الأخلاق. وكان زبوره عليهالسلام ، كله حكما غررا (وَفَصْلَ الْخِطابِ) أي فصل الخصام بتمييز الحق من الباطل ، ورفع الشبه ، وإقامة الدلائل. وكان يقيم بذلك العدل الجالب محبة الخلائق ، ولا يخالفه أحد من أقاربه ولا من الأجانب. ثم ذكر تعالى من حكمته عليهالسلام وقضائه الفصل ، وشدة خوفه وخشيته مع ذلك ، ما قصه بقوله سبحانه :
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ) (٢١)
(وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ) أي ولجوه. و (المحراب) مقدم كل بيت وأشرفه.