لَهُ ذلِكَ) فقد ظن داود عليهالسلام أن يكون ما آتاه الله عزوجل من سعة الملك العظيم فتنة. فقد كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم (١) يدعو في أن يثبت الله قلبه على دينه ، فاستغفر الله تعالى من هذا الظن ، فغفر الله تعالى له هذا الظن. إذ لم يكن ما آتاه الله من ذلك فتنة. انتهى كلام ابن حزم ، وهو وقوف على ظاهر الآية ، مجردا عن إشارة وإيماء.
وقال البرهان البقاعي في (تفسيره) : وتلك القصة وأمثالها من كذب اليهود.
ثم قال : وأخبرني بعض من أسلم منهم أنهم يتعمدون ذلك في حق داود عليهالسلام. لأن عيسى عليهالسلام من ذريته ، ليجدوا سبيلا إلى الطعن فيه. انتهى.
ثم قال : وقوله تعالى : (فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ) أي الوقوع في الحديث عن إسناد الظلم إلى أحد بدون سماع لكلامه. وهذه الدعوى تدريب لداود عليهالسلام في الأحكام. وذكرها للنبيّصلىاللهعليهوسلم تدريب له في الأناة في جميع أموره على الدوام. ولما ذكر هذا ، ربما أوهم شيئا في مقامه صلىاللهعليهوسلم ، فدفعه بقوله تعالى : (وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ). فالقصة لم يجر ذكرها إلا للترقية في رتب الكمال. وأول دليل على ما ذكرته ، أن هذه الفتنة إنما هي بالتدريب في الحكم ، لا بامرأة ولا غيرها. وأن ما ذكروه من قصة المرأة باطل وإن اشتهر. فكم من باطل مشهور ، ومذكور ، هو عين الزور. انتهى.
وقال ابن كثير : قد ذكر المفسرون هاهنا قصة أكثرها مأخوذ من الإسرائيليات. ولم يثبت فيها عن المعصوم حديث يجب اتباعه. ولكن روى ابن أبي حاتم هنا حديثا لا يصح سنده ، لأنه من رواية يزيد الرقاشيّ عن أنس رضي الله عنه. ويزيد ، وإن كان من الصالحين ، لكنه ضعيف الحديث عند الأئمة. فالأولى أن يقتصر على مجرد تلاوة هذه القصة ، وأن يردّ علمها إلى الله عزوجل. فإن القرآن حق ، وما تضمن فهو حق أيضا. انتهى.
وقال القاضي عياض في (الشفا) : وأما قصة داود عليهالسلام ، فلا يجب أن يلتفت إلى ما سطره فيها الأخباريون على أهل الكتاب الذين بدلوا وغيروا ، ونقله بعض المفسرين. ولم ينص الله على شيء من ذلك ، ولا ورد في حديث صحيح. والذي نص الله عليه قوله : (وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ) وقوله فيه (أَوَّابٌ) فمعنى (فَتَنَّاهُ) أي اختبرناه. و (أَوَّابٌ) قال قتادة : مطيع.
__________________
(١) أخرجه الترمذي في : القدر ، ٧ ـ باب ما جاء أن القلوب بين إصبعي الرحمن.