مبطلين عابثين ، كقوله تعالى (وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ ما خَلَقْناهُما إِلَّا بِالْحَقِ) [الدخان : ٣٨ ـ ٣٩]. وهو أن تقوم الناس بالقسط في المعتقدات والعبادات والمعاملات (ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي ولذا أنكروا البعث والجزاء على الأعمال ، وأخذوا يصدّون عن سبيل الله ويبغون في الأرض الفساد.
قال الزمخشري : ومن جحد الخالق فقد جحد الحكمة من أصلها. ومن جحد الحكمة في خلق العالم فقد سفه الخالق ، وظهر بذلك أنه لا يعرفه ولا يقدره حق قدره. فكان إقراره بكونه خالقا ، كلا إقرار.
القول في تأويل قوله تعالى :
(أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ) (٢٨)
(أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ) قال المهايمي : أي : أنترك البعث بالكلية ، أم نبعث ونجعل الذين آمنوا فشكروا نعمة العقل والكتاب. وعملوا الصالحات فشكروا نعمة الأعضاء ، كالمفسدين ، بصرف العقل والأعضاء إلى الغير ما خلقت له؟ (أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ) أي مخالفة أمر الله رعاية لمحبته (كَالْفُجَّارِ) أي الذين يخالفون أوامر الله ، ولا يبالون بعداوته. أي لا نفعل ذلك ولا يستوون عند الله.
قال ابن كثير : وإذا كان الأمر كذلك ، فلا بد من دار أخرى يثاب فيها هذا المطيع ، ويعاقب فيها هذا الفاجر ، وهذا الإرشاد يدل العقول السليمة والفطر المستقيمة ، على أنه لا بدّ من معاد وجزاء. فإذا نرى الظالم الباغي يزداد ماله وولده ونعيمه ، ويموت كذلك. ونرى المطيع المظلوم يموت بكمده. فلا بد في حكمة الحكيم العليم العادل ، الذي لا يظلم مثقال ذرة ، من إنصاف هذا من هذا. وإذا لم يقع هذا في هذه الدار ، فتعين أن هناك دارا أخرى لهذا الجزاء والمواساة. ولما كان القرآن يرشد إلى المقاصد الصحيحة والمآخذ العقلية الصريحة ، قال تعالى :
القول في تأويل قوله تعالى :
(كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ) (٢٩)
(كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ) أي كثير الخير (لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ) قال المهايمي : أي لينظروا في ألفاظه وترتيبها ولوازمها. فيستخرجوا منها علوما بطريق الاستدلال.