الحسن البصري : قال : لا ، والله! لا تشغليني عن عبادة ربي آخر ما عليك. ثم أمر بها فعقرت. وكذلك قال قتادة.
وقال عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما : جعل يمسح أعراف الخيل وعراقيبها حبّا لها. وهذا القول اختاره ابن جرير. قال : لأنه لم يكن ليعذب حيوانا بالعرقبة ، ويهلك مالا من ماله بلا سبب ، سوى أنه اشتغل عن صلاته بالنظر إليها ولا ذنب لها. وهذا الذي رجح ابن جرير ، فيه نظر ، لأنه قد يكون في شرعهم جواز مثل هذا ، ولا سيما إذا كان غضبا لله تعالى ، بسبب أنه اشتغل بها حتى خرج وقت الصلاة. ولهذا لما خرج عنها لله تعالى ، عوضه الله عزوجل ما هو خير منها. وهو الريح التي تجري بأمره رخاء حيث أصاب ، غدوّها شهر ورواحها شهر. فهذا أسرع وخير من الخيل ، روى الأمام أحمد (١) عن ابن قتادة وأبي الدهماء ، وكانا يكثران السفر نحو البيت ، قالا : أتينا على رجل من أهل البادية فقال لنا البدوي ، أخذ بيدي رسول الله صلىاللهعليهوسلم فجل يعلمني مما علمه الله عزوجل. وقال : إنك لا تدع سببا اتقاء الله تعالى ، إلا أعطاك الله عزّ جلّ خيرا منه. انتهى ما ذكره ابن كثير.
وقال القاشانيّ : أي طفق يمسح السيف بسوقها ، يعرقب بعضها وينحر بعضها ، كسرا لأصنام النفس التي تعبدها بهواها ، وقمعا لسورتها وقواها ، ورفعا للحجاب الحائل بينه وبين الحق ، واستغفارا وإنابة إليه بالتجريد والترك.
وقد ذهب الرازي إلى تأويل آخر استصوبه ، قال : إن رباط الخيل كان مندوبا إليه في دينهم. كما أنه كذلك في دين الإسلام. ثم إن سليمان عليهالسلام احتاج إلى الغزو. فجلس وأمر بإحضار الخيل وأمر بإجرائها. وذكر أني لا أحبها لأجل الدنيا ونصيب النفس ، وإنما أحبها لأمر الله وطلب تقوية دينه. وهو المراد من قوله : (عَنْ ذِكْرِ رَبِّي) ثم إنه عليهالسلام أمر بإعدائها وتسييرها حتي توارت بالحجاب أي غابت عن بصره. ثم أمر الرائضين بأن يردوا تلك الخيل إليه. فلما عادت إليه طفق يمسح سوقها وأعناقها ، والغرض من ذلك المسح أمور :
الأول تشريفا لها وإبانة لعزتها ، لكونها من أعظم الأعوان في دفع العدوّ.
والثاني ـ أنه أراد أن يظهر أنه في ضبط السياسة والملك يتصنع إلى حيث يباشر أكثر الأمور بنفسه.
__________________
(١) أخرجه في المسند ٥ / ٧٨.