ثم يحدّ الحد الواجب. كما روى مسلم (١) في صحيحه عن عليّ رضي الله عنه ، أن أمة لرسول الله صلىاللهعليهوسلم زنت. فأمرني أن أجلدها. فأتيتها فإذا هي حديثة عهد بنفاس. فخشيت إن جلدتها أن أقتلها ، فذكرت ذلك لرسول الله صلىاللهعليهوسلم. فقال : أحسنت. اتركها حتى تماثل. انتهى كلام ابن القيم.
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَاذْكُرْ عِبادَنا إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصارِ) (٤٥)
(وَاذْكُرْ عِبادَنا إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصارِ) أي ذوي القوة في العبادة والأفكار في معرفة الله تعالى. قال القاشانيّ : أي العمل والعلم ، لنسبة الأول إلى الأيدي والثاني إلى البصر والنظر ، وهم أرباب الكمالات العملية والنظرية.
قال الشهاب : (الأيدي) مجاز عن القوة ، مجاز مرسل. و (الأبصار) جمع بصر بمعنى بصيرة. وهو مجاز أيضا ، لكنه مشهور فيه. وإذا أريد ب (الأيدي) الأعمال ، فهو من ذكر السبب وإرادة المسبب. و (الأبصار) بمعنى البصائر مجاز عما يتفرع عليها من المعارف كالأول أيضا. وعلى الوجهين ، فيه تعريض بأن من ليس كذلك ، كان لا جارحة له ولا بصر. انتهى.
القول في تأويل قوله تعالى :
(إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ) (٤٦)
(إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ) أي صفيناهم عن شوب صفات النفوس وكدورة حظوظا. وجعلناهم لنا خالصين بالمحبة الحقيقية (بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ) أي الباقية والمقر الأصليّ ، أي استخلصناهم لوجهنا بسبب تذكرهم لعالم القدس ، وإعراضهم عن معدن الرجس ، مستشرفين لأنوارنا ، لا التفات لهم إلى الدنيا وظلماتها أصلا.
لطيفة :
قال السمين : قرأ نافع وهشام : (بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ) بالإضافة. وفيها أوجه : أحدها ـ أن يكون أضاف خالصة إلى ذكرى للبيان. لأن الخاصة قد تكون ذكرى وغير ذكرى. كما قوله : (بِشِهابٍ قَبَسٍ) [النمل : ٧] ، لأن الشهاب يكون قبسا وغيره. الثاني ـ أن الخالصة مصدر بمعنى إخلاص ، فيكون مصدرا مضافا لمفعوله ، والفاعل
__________________
(١) أخرجه في : الحدود ، حديث رقم ٣٤.