أو ثمانين ويضربه بها ضربة واحدة. وهذا إنما يجري في المرض كما قال الإمام أحمد ، في المريض عليه الحدّ ، ويضرب بعثكال يسقط عنه الحد. واحتج بما رواه عن أبي أمامة بن سهل ، عن سعيد بن سعد بن عبادة (١) قال : كان بين أبنائنا إنسان مخدج ضعيف ، لم يرع أهل الدار إلا وهو على أمة من إماء الدار يخبث بها. وكان مسلما. فرفع شأنه سعد إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم. فقال : اضربوه حدّه ، قالوا : يا رسول الله! إنه أضعف من ذلك إن ضربناه مائة قتلناه. فقال : فخذوا له عثكالا فيه مائة شمراخ فاضربوه ضربة واحدة ، وخلوا سبيله.
وأما قصة أيوب فلها فقه دقيق. فإن امرأته كانت لشدة حرصها على عافيته وخلاصه من دائه ، تلتمس له الدواء بما تقدر عليه ، فلما لقيها الشيطان وقال ما قال ، أخبرت أيوب عليهالسلام بذلك ، فقال : إنه الشيطان. ثم حلف لئن شفاه الله تعالى ليضربنها مائة سوط فكانت معذورة محسنة في شأنه ، ولم يكن في شرعهم كفارة. فإنه لو كان في شرعهم كفارة ، لعدل إلى التفكير ، ولم يحتج إلى ضربها. فكانت اليمين موجبة عندهم كالحدود. وقد ثبت أن المحدود إذا كان معذورا خفف عنه ، بأن يجمع له مائة شمراخ أو مائة سوط فيضرب بها ضربة واحدة. وامرأة أيوب كانت معذورة ، لم تعلم أن الذي خاطبها الشيطان ، وإنما قصدت الإحسان. فلم تكن تستحق العقوبة ، فأفتى الله نبيه أيوب عليهالسلام أن يعاملها معاملة المعذور ، هذا مع رفقها به وإحسانها إليه فجمع له بين البر في يمينه والرفق بامرأته المحسنة المعذورة ، التي لا تستحق العقوبة. فظهر موافقة نص القرآن في قصة أيوب عليهالسلام ، لنص السنة ، في شأن الضعيف الذي زنى. فلا يتعدى بهما عن محلهما.
فإن قيل : فقولوا هذا في نظير ذلك ممن حلف ليضربن امرأته أو أمته مائة ، وكانتا معذورتين لا ذنب لهما ، إنه يبرّ بجمع ذلك في ضربها بمائة شمراخ. قيل : قد جعل الله له مخرجا بالكفارة ، ويجب عليه أن يكفر يمينه ، ويقضي الله بالبر في يمينه هاهنا ، ولا يحل له أن يبرّ فيها ، بل بره فيها هو حنثه مع الكفارة. ولا يحل له أن يضربها لا مفرقا ولا مجموعا.
فإن قيل : فإذا كان الضرب واجبا كالحد ، هل تقولون ينفعه ذلك؟ قيل : إما أن يكون العذر مرجوّ الزوال كالحر والبرد الشديد ، والمرض اليسير ، فهذا ينتظر زواله.
__________________
(١) أخرجه في المسند ٥ / ٢٢٢.