تنبيه :
في الإكليل : استدل بقوله تعالى : (وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ) على أنه تعالى لا يرضى الكفر والمعاصي. وعلى أن الرضا غير الإرادة. وهو أحد قولي أهل السنة. والقول الثاني وحكاه الآمدي عن الجمهور ، أن الرضا والإرادة سيان ، وحملوا (العباد) في الآية على المخلصين. (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) أي لا تحمل حاملة حمل أخرى ، أي ما عليها من الذنوب ، أو لا تؤخذ نفس بذنب أخرى ، بل كلّ مأخوذ بذنبه (ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ) أي بعد الموت (فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) أي بما في القلوب من الخير والشر.
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ(٨) أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ) (٩)
(وَإِذا مَسَ) أي أصاب (الْإِنْسانَ ضُرٌّ) أي شدة وبلاء (دَعا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ) أي ابتهل إليه برفع الشدة والبلاء عنه ، مقبلا إليه بالدعاء والتضرع (ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ) أي أعطاه (نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ) أي نسي الضر الذي كان يدعو الله إلى كشفه من قبل النعمة. وقيل : نسي ربه الذي كان يتضرع إليه ويبتهل إليه. ف (ما) بمعنى (من) أقيمت مقامها لقصد الدعاء الوصفيّ ، ولما في (ما) من الإبهام والتفخيم ، (وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ) أي يصد الناس عن دينه وطاعته (قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ) أي عش به (قَلِيلاً) أي يسيرا في الدنيا (إِنَّكَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً) أي متعبدا في ساعاته يقطعها في السجود والقيام (يَحْذَرُ الْآخِرَةَ) أي عقابها (وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ) أي جنته ورضوانه ، أي : أهذا أفضل أم ذاك الكافر الجاحد الناسي لربه؟ (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ) أي توحيده وأمره ونهيه في الثواب والطاعة (وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) أي لا يستويان.
تنبيهات :
الأول ـ في الآية استحباب قيام الليل. قال ابن عباس : آناء الليل : جوف الليل. وقال الحسن : ساعاته أوله ووسطه وآخره.