الثاني ـ في قوله تعالى : (يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ) ردّ على من ذمّ العبادة خوفا من النار أو رجاء الجنة. وقال صلىاللهعليهوسلم (حولها ندندن) (١).
الثالث ـ في قوله تعالى : (هَلْ يَسْتَوِي) الآية مدح العلم ورفعة قدره. وذمّ الجهل ونقصه. وقد يستدل به على أن الجاهل لا يكافئ العالمة ، كما أنه لا يكافئ بنت العالم ، أفاده في (الإكليل).
وفي الآية أيضا إشعار بأن الذين يعلمون هم العاملون بعلمهم ، إذ عبر عنهم أولا ب (القانت) ثم نفى المساواة بينه وبين غيره ، ليكون تأكيدا له ، وتصريحا بأن غير العالم كأن ليس بعالم.
قال القاشاني : وإنما كان المطيع هو العالم ، لأن العلم هو الذي رسخ في القلب وتأصل بعروقه في النفس ، بحيث لا يمكن صاحبه مخالفته ، بل سيط باللحم والدم ، فظهر أثره في الأعضاء لا ينفك شيء منها عن مقتضاه ، وأما المرتسم في حيز التخيل ، بحيث يمكن ذهول النفس عنه وعن مقتضاه ، فليس بعلم. إنما هو أمر تصوريّ وتخيل عارض لا يلبث ، بل يزول سريعا. لا يغذو القلب ولا يسمن ولا يغني من جوع (إِنَّما يَتَذَكَّرُ) أي يتعظ بهذا الذكر (أُولُوا الْأَلْبابِ) أي العقول الصافية عن قشر التخيل والوهم ، لتحققها بالعلم الراسخ الذي يتأثر به الظاهر. وأما المشوبة بالوهم فلا تتذكر ولا تتحقق بهذا العلم ولا تعيه.
القول في تأويل قوله تعالى :
(قُلْ يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللهِ واسِعَةٌ إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ) (١٠)
(قُلْ يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ) أي للذين أحسنوا بالطاعات في الدنيا ، مثوبة حسنة في الآخرة ، لا يكتنه كنهها (وَأَرْضُ اللهِ واسِعَةٌ) أي بلاده كثيرة. فمن تعسر عليه التوفر على الإحسان في وطنه ، فليهاجر إلى حيث يتمكن منه. قال الشهاب : وجه إفادة هذا التركيب هذه المعاني الكثيرة. أوضحه شراح الكشاف بأن قوله : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا) مستأنف لتعليل الأمر بالتقوى ،
__________________
(١) أخرجه أبو داود في : الصلاة ، ١٢٤ ـ باب في تخفيف الصلاة ، حديث رقم ٧٩٢ ، عن بعض أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم.