إلى خروجنا من النار ، من سبيل ، لنرجع إلى الدنيا فنعمل غير الذي كنا نعمل. قال الزمخشريّ : وهذا كلام من غلب عليه اليأس والقنوط. وإنما يقولون ذلك تعللا وتحيرا. ولهذا جاء الجواب على حسب ذلك. وهو قوله تعالى :
القول في تأويل قوله تعالى :
(ذلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذا دُعِيَ اللهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ (١٢) هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً وَما يَتَذَكَّرُ إِلاَّ مَنْ يُنِيبُ) (١٣)
(ذلِكُمْ) أي ذلكم الذي أنتم فيه من العذاب ، وأن لا سبيل إلى خروج قط (بِأَنَّهُ إِذا دُعِيَ اللهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا) أي بسبب إنكاركم أن الألوهة له خالصة ، وقولكم (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً) [ص : ٥] ، وإيمانكم بالشرك (فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ) أي فالقضاء له وحده لا للغير. فلا سبيل إلى النجاة لعلوّه وكبريائه. فلا يمكن أحدا ردّ حكمه وعقابه (هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ) أي من الريح والسحاب والرعد والبرق والصواعق ونحوها (وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً) أي مطرا. وإفراده بالذكر من بين الآيات ، لعظم نفعه ، وتسبب حياة كل شيء عنه (وَما يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ) أي. وما يتعظ بآياته تعالى ، إلا من يرجع إليه بالتوبة والإنابة.
القول في تأويل قوله تعالى :
(فَادْعُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (١٤) رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ) (١٥)
(فَادْعُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) أي فاعبدوه مخلصين له الدين ، عن شوب الشرك (وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ) أي غاظهم ذلك (رَفِيعُ الدَّرَجاتِ) أي رفيع درجات عرشه كقوله (ذِي الْمَعارِجِ) [المعارج : ٣] ، وهي مصاعد الملائكة إلى أن تبلغ العرش. وهي دليل على عزته وملكوته. أو هو عبارة عن رفعة شأنه وعلوّ سلطانه وكمالاته ، غير المتناهية (ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ) أي الوحي والعلم اللدنيّ الذي تحيا به القلوب الميتة من سره (عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) أي أهل عنايته الأزلية ، واختصاصه للرسالة والنبوة (لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ) أي يوم القيامة الكبرى ، الذي يتلاقى فيه العبد بربه ليحاسبه على أعماله ، أو العباد.