(يا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ) أي عالين وقاهرين ، فلا تفسدوا أمركم على أنفسكم بأنفسكم ، ولا تعرضونا لعذابه تعالى : (فَمَنْ يَنْصُرُنا مِنْ بَأْسِ اللهِ إِنْ جاءَنا قالَ فِرْعَوْنُ ما أُرِيكُمْ إِلَّا ما أَرى) أي ما أشير عليكم إلا ما أستصوبه من قتله. إذ البأس السماوي من أجل قتله ، أمر متوهم. فاتباعه غلط (وَما أَهْدِيكُمْ) أي بإراءة رأي قتله (إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ) وهو دفع تبدل دينكم وإظهار الفساد في الأرض ، بإظهار أحكامه.
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ (٣٠) مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ) (٣١)
(وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ) أي من قتله (مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ) أي الطوائف الهالكة بالتكذيب (مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ) أي جزائهم من الغرق (وَعادٍ) أي من الريح العقيم (وَثَمُودَ) أي الصيحة (وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ) أي من الأمم المكذبة ، مما يدل على أن الهلاك سنة مستمرة لأهل التكذيب ، إذ لم يكن لهم ذنب آخر يوجبه (وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ) أي فلا يعاقبهم بغير ذنب.
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَيا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنادِ) (٣٢)
(وَيا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنادِ) يعني يوم القيامة ، أي عذابه. سمي بذلك لما جاء في حديث «إن الأرض إذا زلزلت وانشقت من قطر إلى قطر ، وماجت وارتجت ، فنظر الناس إلى ذلك ، ذهبوا هاربين ينادي بعضهم بعضا» أي : من هول فزع النفخة. وقال قتادة : ينادي كل قوم بأعمالهم. ينادي أهل الجنة أهل الجنة وأهل النار أهل النار. وقيل لمناداة أهل الجنة أهل النار (أَنْ قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قالُوا نَعَمْ) [الأعراف : ٤٤] ، ومناداة أهل النار أهل الجنة (أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ قالُوا إِنَّ اللهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ) [الأعراف : ٥٠] ، واختار البغوي وغيره ؛ أنه سمّي لمجموع ذلك. أي لوقوع الكل فيه.
القول في تأويل قوله تعالى :
(يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ ما لَكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ) (٣٣)
(يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ) أي ذاهبين فرارا من الفزع الأكبر (كَلَّا لا وَزَرَ إِلى رَبِّكَ