لأن ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. وليس بالأمر الذي يدرك بالأماني. وقد قيل : إن معناه إن في صدورهم إلا عظمة ، ما هم ببالغي تلك العظمة ، لأن الله مذلّهم (فَاسْتَعِذْ بِاللهِ) قال ابن جرير : أي فاستجر بالله يا محمد ، من شر هؤلاء الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان ، ومن الكبر أن يعرض في قلبك منه شيء (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) أي لما يقولون وبما يعملون ، فسيجازيهم.
تنبيه :
قال كعب وأبو العالية : نزلت هذه الآية في اليهود. وذلك أنهم ادعوا أن الدجال منهم ، وأنهم يملكون به الأرض. فأمر صلىاللهعليهوسلم أن يستعيذ بالله من فتنته. قال ابن كثير : وهذا قول غريب ، وفيه تعسف بعيد. وإن كان قد رواه ابن أبي حاتم. ولم يذكره ابن جرير ، على ولعه بالغريب والضعيف.
وفي (الإكليل) : ليس في القرآن الإشارة إلى الدجال إلا في هذه الآية ، أي على صحة هذه الرواية.
القول في تأويل قوله تعالى :
(لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (٥٧)
(لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ) أي : لإنشائهما وابتداعهما من غير شيء ، أعظم من خلق البشر (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) أي لا ينظرون ولا يتأمّلون لغلبة الجهل عليهم. ولذا يجعلون إعادة الشيء أعظم من خلقه عن عدم ، مع أنه أهون وأيسر.
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَلا الْمُسِيءُ قَلِيلاً ما تَتَذَكَّرُونَ) (٥٨)
(وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ) أي ما يستوي الأعمى الذي لا يبصر شيئا ، وهو مثل الكافر الذي لا يتأمل حجج الله بعينيه فيتدبرها ويعتبر بها ، فيعلم وحدانيته وقدرته على خلق ما شاء. ويؤمن به ـ والبصير الذي يرى بعينيه ما شخص لهما ويبصره. وذلك مثل للمؤمن الذي يرى بعينيه حجج الله فيتفكر فيها ويتعظ ، ويعلم