ما دلت من توحيد صانعه وعظيم سلطانه (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) أي ولا يستوي أيضا المؤمنون بالله ورسوله ، المطيعون لربهم (وَلَا الْمُسِيءُ) وهو الكافر بربه ، العاصي له ، المخالف أمره (قَلِيلاً ما تَتَذَكَّرُونَ) أي حججه تعالى. فيعتبرون ويتعظون. أي لو تذكّروا آياته واعتبروا بها ، لعرفوا خطأ ما هم مقيمون عليه ، من إنكار البعث ، ومن قبح الشرك.
القول في تأويل قوله تعالى :
(إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ) (٥٩)
(إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها) أي فأيقنوا بمجيئها وأنكم مبعوثون ومجازون بأعمالكم ، فتوبوا (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ) أي لا يصدقون بمجيئها. يعني المشركين.
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ) (٦٠)
(وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) أي اعبدوني أثبكم. قال الزمخشري : والدعاء بمعنى العبادة ، كثير في القرآن. ويدلّ عليه قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ) أي صاغرين أذلّاء. قال الشهاب : إطلاق الدعاء على العبادة مجاز ، لتضمن العبادة له ، لأنه عبادة خاصة أريد به المطلق. وجعل الإثابة لترتبها عليها استجابة ، مجازا أو مشاكلة. وإنما أوّل به لأن ما بعده يدل عليه. والمقام يناسبه الأمر بالعبادة. وقد جوّز أن يراد بالدعاء والاستجابة ظاهرهما. ويراد بالعبادة الدعاء مجازا ، لأنه باب من العبادة عظيم ، وفرد من أفرادها فخيم. قال الشهاب : ولو قيل لا حاجة إلى التجوّز ، لأن الإضافة المراد بها العهد هنا ، فيفيد ما ذكر من غير تجوّز ـ لكان أحسن. انتهى.
وعلى الوجه الثاني ـ وهو أن المراد بالدعاء السؤال ـ اقتصر كثير من المفسرين. قال المهايميّ (أَسْتَجِبْ لَكُمْ) لأن الدعاء من العبد غاية في التذلل لربه ، وهو محبوب لربه. فإذا أتى العبد بمحبوب الرب عظمه بالاستجابة. وإذا لم يستجب له في الدنيا عوّضه في الآخرة. ولحبه التذلل أمر العباد بالعبادة ، فإن استكبروا كان