(فَلِذلِكَ فَادْعُ) أي فلأجل ما ذكر من التفرق والشك المريب ، فادع الناس كافة إلى إقامة الدين لمقاومة الباطل ودحره ، وهتك وساوسه (وَاسْتَقِمْ) أي على الدعوة إليه والصدع به (كَما أُمِرْتَ) أي أوحي إليك (وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللهُ مِنْ كِتابٍ) أي : أيّ كتاب كان ، لا كالذين آمنوا ببعض وكفروا ببعض. وفيه تحقيق للحق ، وبيان لاتفاق الكتب في الأصول ، وتأليف لقلوب أهل الكتابين ، وتعريض بهم. أفاده أبو السعود (وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ) أي لأسوّي بينكم في دعوة واحدة كما قال تعالى : (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً) [آل عمران : ٦٤] الآية. ثم أشار إلى أن ما وراء الأمر المذكور والتبليغ به من الحساب ، فهو إليه تعالى. فقال (اللهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ) أي لا خصومة ولا محاجة بعد هذا. لأن الحق قد ظهر. ولم يبق للمحاجة حاجة ، ولا للمخالفة محل سوى المكابرة. والحجة في الأصل مصدر بمعنى الاحتجاج. كما ذكره الراغب. وتكون بمعنى الدليل. والمراد هو الأول دون الثاني. وهو ظاهر (اللهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا) أي يوم القيامة ، فيقضي بالحق فيما اختلفنا فيه (وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) أي المعاد والمرجع للجزاء.
تنبيهان :
الأول ـ تفسير العدل بما ذكرناه ، لأنه الذي يقتضيه سياق الكلام لا سيما والسورة مكية. ولم يكن مظهره صلوات الله عليه بها فصل الخصومات والقضاء في الحكومات. نعم من ذهب إلى ذلك فإنما وقف مع عمومها. ومنه قول قتادة : أمر النبيّ صلىاللهعليهوسلم أن يعدل حتى مات. والعدل ميزان الله في الأرض. به يأخذ للمظلوم من الظالم. وللضعيف من الشديد. وبالعدل يصدق الله الصادق ويكذب الكاذب. وبالعدل يرد المعتدي ويوبخه.
الثاني ـ قال ابن كثير : اشتملت هذه الآية الكريمة على عشر كلمات مستقلات. كل منها منفصلة عن التي قبلها. حكم برأسها. قالوا : ولا نظير لها سوى آية الكرسي. فإنها أيضا عشرة فصول كهذه. انتهى
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللهِ مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ) (١٦)
(وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللهِ) أي يخاصمون في دينه الذي ابتعث به خاتم أنبيائه ،