وهم الذين أورثوا الكتاب ، المذكورون قبل ، ليصدوا عن الهدى طمعا في عود الجاهلية (مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ) أي استجاب له الناس. أي بالاستسلام والانقياد لدينه حسبما قادهم إليه العقل السليم والنظر الصحيح وسيرة الداعي وهديه وحسن دعوته وتصديق الكتب المنزلة له وسلامة الفطرة (حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ) أي زائلة لأنها في باطل. والباطل لا بقاء له مع قوة الحق (عِنْدَ رَبِّهِمْ) أي في حكمه وقضائه وتقديره. قال أبو السعود : وإنما عبر عن أباطيلهم بالحجة ، مجاراة معهم على زعمهم الباطل (وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ) أي عظيم ، لمكابرتهم الحق بعد ظهوره (وَلَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ) وهو عذاب النار.
القول في تأويل قوله تعالى :
(اللهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزانَ وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ) (١٧)
(اللهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ بِالْحَقِ) أي متلبسا به في أحكامه وأخباره (وَالْمِيزانَ) أي وأنزل الميزان وهو العدل الذي يوزن به الحقوق ويسوّى به الخلاف (وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ) قال أبو السعود : أي شيء قريب. أو قريب مجيئها. أو الساعة بمعنى البعث. والمعنى أنها على جناح الإتيان. فاتبع الكتاب واعمل به وواظب على العدل قبل أن يفاجئك اليوم الذي توزن فيه الأعمال ويوفى جزاؤها.
القول في تأويل قوله تعالى :
(يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ) (١٨)
(يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها) أي خائفون منها. قال ابن جرير : لأنهم لا يدرون ما الله فاعل بهم فيها (وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُ) أي المتحقق وجوده لا محالة (أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ) أي لإنكارهم عدل الله وحكمته.
القول في تأويل قوله تعالى :
(اللهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (١٩) مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ) (٢٠)