(اللهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ) أي يلطف بهم في تدبير إيصال ما يفتقرون من خبر الدين والدنيا (يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ).
قال الزمخشري : سمي ما يعمله العامل مما يبتغي به الفائدة والزكاء ، حرثا على المجاز ـ أي بتشبيهه بالزرع من حيث إنه فائدة تحصل بعمل الدنيا. ولذلك قيل (الدنيا مزرعة الآخرة) وفرق بين عمل العاملين بأن من عمل للآخرة ، وفّق في عمله وضوعفت حسناته. ومن كان عمله للدنيا أعطي شيئا منها ، لا ما يريده ويبتغيه ، وهو رزقه الذي قسم له وفرغ منه ، وما له نصيب قط في الآخرة. ولم يذكر في معنى عامل الآخرة وله في الدنيا نصيب على أن رزقه المقسوم له ، واصل إليه لا محالة ـ للاستهانة بذلك إلى جنب ما هو بصدده من زكاء عمله وفوزه في المآب. انتهى.
وهذه الآية كآية (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ) [الإسراء : ١٨] ، إلخ.
القول في تأويل قوله تعالى :
(أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ وَلَوْ لا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٢١) تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ واقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (٢٢) ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللهُ عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً إِنَّ اللهَ غَفُورٌ شَكُورٌ) (٢٣)
(أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ) (أم) منقطعة ، فيها معنى (بل والهمزة) ولا بد من سبق كلام ، خبرا أو إنشاء ، يضرب عنه ويقرر ما بعده. وما سبق قوله (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً) [الشورى : ١٣] ، إلخ فهو معطوف عليه ، وما بينهما من تتمة الأول. والمراد بشركائهم ، إما شياطينهم لأنهم شاركوهم في الكفر وحملوهم عليه. وإما أوثانهم. وإضافتها إليهم لأنهم متخذوها