كثير رحمهالله تعالى ، وسبقه في الإيساع في ذلك تقيّ الدين ابن تيمية في (منهاج السنة) من أوجه عديدة.
قال في الوجه الثالث : إن هذه الآية في سورة الشورى. وهي مكية باتفاق أهل السنة. بل جميع آل حم مكيات. وكذلك آل طس. ومن المعلوم أن عليّا إنما تزوج فاطمة بالمدينة بعد غزوة بدر. والحسن ولد في السنة الثالثة من الهجرة. والحسين في السنة الرابعة فتكون هذه الآية قد نزلت قبل وجود الحسن والحسين بسنين متعددة. فكيف يفسر النبيّ صلىاللهعليهوسلم الآية بوجوب مودة قرابة لا تعرف ولم تخلق.
ثم قال : الوجه الرابع ـ إن تفسير الآية الذي في الصحيحين عن ابن عباس يناقض ذلك. فهذا ابن عباس ترجمان القرآن وأعلم أهل البيت ، بعد عليّ ، يقول : ليس معناها مودة ذوي القربى. ولكن معناها لا أسألكم يا معشر العرب ويا معشر قريش عليه أجرا. لكن أسألكم أن تصلوا القرابة التي بيني وبينكم. فهو سأل الناس الذين أرسل إليهم أوّلا ، أن يصلوا رحمه فلا يعتدوا عليه حتى يبلّغ رسالة ربه.
الوجه الخامس ـ أنه قال : (لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) لم يقل إلا المودة للقربى ولا المودة لذوي القربى. فلو أراد المودة لذوي القربى لقال المودة لذوي القربى كما قال : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى) [الأنفال : ٤١] ، وقال (ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى) [الحشر : ٧] ، وكذلك قوله : (وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ) [الإسراء : ٢٦] ، وقوله : (وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى) [البقرة : ١٧٧] ، وهكذا في غير موضع. فجميع ما في القرآن من التوصية بحقوق ذوي قربى النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، وذوي قربى الإنسان ، إنما قيل فيها (ذوي القربى). لم يقل (في القربى). فلما ذكر هنا المصدر دون الاسم ، دل على أنه لم يرد (ذوي القربى).
الوجه السادس ـ أنه لو أريد المودة لهم لقال : المودّة لذوي القربى ، ولم يقل في القربى ، فإنه لا يقول من طلب المودة لغيره : أسألك المودة في فلان ، ولا في قربى فلان. ولكن أسألك المودة لفلان ، والمحبة لفلان. فلما قال المودة في القربى ، علم أنه ليس المراد لذوي القربى.
الوجه السابع ـ أن يقال إن النبيّ صلىاللهعليهوسلم لا يسأل على تبليغ رسالة ربه أجرا البتة. بل أجره على الله كما قال : (قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ) [ص : ٨٦] ، وقوله : (أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ) [الطور : ٤] و [القلم :