الْوَتِينَ فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ) [الحاقة : ٤٤ ـ ٤٧] ، أي لانتقمنا منه أشد الانتقام ، وما قدر أحد من الناس أن يحجز عنه. انتهى.
وهذا تفسير بالأشباه والنظائر من الآيات ، يؤثره كثير من الأئمة ، ما وجد إليه سبيلا. فإن التنزيل يفسّر بعضه بعضا. ومآل الآية على هذا المعنى ، كما أوضحه أبو السعود ، هو الاستشهاد على بطلان ما قالوا ، ببيان أنه عليهالسلام لو افترى على الله تعالى ، لمنعه من ذلك قطعا ، فختم على قلبه بحيث لم يخطر بباله معنى من معانيه ، ولم ينطق بحرف من حروفه. وحيث لم يكن الأمر كذلك. بل تواتر الوحي حينا فحينا ، تبين أنه من عند الله تعالى.
وقال الزمخشري : فإن يشأ الله يجعلك من المختوم على قلوبهم ، حتى تفتري عليه الكذب. فإنه لا يجترئ على افتراء الكذب على الله ، إلا من كان في مثل حالهم. وهذا الأسلوب مؤداه استبعاد الافتراء من مثله ، وإنه في البعد مثل الشرك بالله والدخول في الجملة المختوم على قلوبهم. ومثل هذا أن يخوّن بعض الأمناء فيقول : لعل الله خذلني. لعل الله أعمى قلبي. وهو لا يريد إثبات الخذلان وعمى القلب. وإنما يريد استبعاد أن يخون مثله ، والتنبيه على أنه ركب من تخوينه أمر عظيم. انتهى.
قال الشهاب : فمعناه ؛ إن يشأ الله يختم على قلبك كما فعل بهم. فهو تسلية له صلوات الله عليه ، وتذكير لإحسانه إليه وإكرامه ، ليشكر به ويترحم على من ختم على قلبه ، فاستحق غضب ربه ، ولو لا ذلك ما اجترأ على نسبته لما ذكر. ولذا أتى (بأن) في موضع (لو) إرخاء للعنان ، وتلميحا للبرهان. على أنه لا يتصور وصفه بما. ذكروه. فالتفريع بالنظر للمعنى المكني عنه ، وحاصله أنهم اجترءوا على هذا المحال ، لأنه مطبوعون على الضلال. انتهى (وَيَمْحُ اللهُ الْباطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) استئناف مقرر لنفي الافتراء عما يقوله صلىاللهعليهوسلم ، فإنه لو كان مفترى لمحقه. إذ من سنته تعالى محو الباطل وإثبات الحق بوحيه. فليس (يمح) مجزوما بالعطف على الجزاء ، بل معطوف على مجموع الجملة والكلام السابق. ولذا أعيد لفظ الجلالة ورفع (يحق). قال الزمخشري : ويجوز أن يكون عدة لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، بأنه يمحو الباطل الذي هم عليه من البهت والتكذيب ، ويثبت الحق الذي أنت عليه بالقرآن ، وبقضائه الذي لا مردّ له من نصرتك عليهم. إن الله عليم بما في صدرك وصدورهم ، فيجري الأمر على حسب ذلك.