القول في تأويل قوله تعالى :
(وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعائِهِمْ غافِلُونَ) (٥)
(وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ) أي : دعاءه لعجزه عنها (إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعائِهِمْ غافِلُونَ) أي : لأنهم إما جمادات ، وإما مسخّرون مشغولون بأحوالهم. و (الغفلة) مجاز عن عدم الفائدة فيها. أو هو تغليب لمن يتصور منه الغفلة على غيره.
لطيفة :
قال الناصر : في قوله (إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) نكتة حسنة. وذلك أنه جعل يوم القيامة غاية لعدم الاستجابة. ومن شأن الغاية انتهاء المغيّا عندها ، لكن عدم الاستجابة مستمر بعد هذه الغاية ، لأنهم في القيامة أيضا لا يستجيبون لهم. فالوجه ـ والله أعلم ـ أنها من الغايات المشعرة بأن ما بعدها ، وإن وافق ما قبلها ، إلا أنه أزيد منه زيادة بينة تلحقه بالثاني ، حتى كان الحالتين ، وإن كانتا نوعا واحدا لتفاوت ما بينهما ، كالشيء وضده. وذلك أن الحالة الأولى التي جعلت غايتها القيامة ، لا تزيد على عدم الاستجابة. والحالة الثانية التي في القيامة ، زادت على عدم الاستجابة بالعداوة بالكفر بعبادتهم إياهم. فهو من وادي ما تقدم آنفا في سورة الزخرف في قوله (بَلْ مَتَّعْتُ هؤُلاءِ وَآباءَهُمْ حَتَّى جاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُبِينٌ ، وَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ قالُوا هذا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كافِرُونَ) [الزخرف : ٢٩ ـ ٣٠] انتهى.
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَإِذا حُشِرَ النَّاسُ كانُوا لَهُمْ أَعْداءً وَكانُوا بِعِبادَتِهِمْ كافِرِينَ) (٦)
(وَإِذا حُشِرَ النَّاسُ) أي : جمعوا يوم القيامة لموقف الحساب (كانُوا) أي : آلهتهم (لَهُمْ أَعْداءً) أي : لتبرئتهم منهم. قال الشهاب : أعداء استعارة ، أو مجاز مرسل للضارّ. (وَكانُوا بِعِبادَتِهِمْ كافِرِينَ) قال ابن جرير : أي وكانت آلهتهم التي يعبدونها في الدنيا ، بعبادتهم جاحدين ، لأنهم يقولون يوم القيامة : ما أمرناهم بعبادتنا ، ولا شعرنا بعبادتهم إيانا ، تبرّأنا إليك منهم ، يا ربنا! أي : فالتكذيب بلسان المقال ، قصدا إلى بيان أن معبودهم في الحقيقة الشياطين وأهواؤهم.