بإحسان. وأما في الدنيا ، فلم يدر ما كان يؤول إليه أمره ، وأمر مشركي قريش ، أيؤمنون ، أم يكفرون فيعذبون فيستأصلون بكفرهم. فأما الحديث الذي رواه الإمام أحمد (١) عن أم العلاء ، وكانت بايعت النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، قالت : (طار لنا في السكنى ، حين اقترعت الأنصار على سكنى المهاجرين ، عثمان بن مظعون رضي الله عنه ، فاشتكى عثمان عندنا ، فمرضناه. حتى إذا توفي أدرجناه في أثوابه ، فدخل علينا رسول الله صلىاللهعليهوسلم. فقلت : رحمة الله عليك ، أبا السائب! شهادتي عليك لقد أكرمك الله عزوجل. فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : أما هو فقد جاءه اليقين من ربه ، وإني لأرجو له الخير. والله! ما أدري ـ وأنا رسول الله ـ ما يفعل بي! قالت : فقلت : والله! لا أزكي أحدا بعده أبدا وأحزنني ذلك. فنمت ، فرأيت لعثمان رضي الله عنه عينا تجري ، فجئت إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأخبرته بذلك ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : ذاك عمله) فقد انفرد بإخراجه البخاري (٢) دون مسلم ، وفي لفظ له : ما أدري ـ وأنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ـ ما يفعل به. وهذا أشبه أن يكون هو المحفوظ ، بدليل قولها : فأحزنني ذلك. وفي هذا وأمثاله دلالة على أنه لا يقطع لمعيّن بالجنة ، إلا الذي نص الشارع على تعيينهم ، كالعشرة وابن سلام والعميصاء وبلال وسراقة وعبد الله بن عمرو بن حرام (والد جابر) والقراء السبعين الذين قتلوا ببئر معونة وزيد بن حارثة وجعفر وابن رواحة ، وما أشبه هؤلاء رضي الله عنهم. انتهى كلام ابن كثير.
وقال المهايميّ : (وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ) أي : فيما لو يوح إليّ. والوحي ببعض الأمور لا يستلزم العلم بالباقي. ولم يكن لي أن أضمّ إلى الوحي كذبا من عندي.
(إِنْ أَتَّبِعُ) أي : في تقرير الأمور الغيبية (إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ وَما أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ) أي منذر عقاب الله على كفركم به ، أبان لكم إنذاره وأبان لكم دعاءه إلى ما فيه صلاحكم وسعادتكم.
القول في تأويل قوله تعالى :
(قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (١٠)
__________________
(١) أخرجه في المسند ٦ / ٤٣٦.
(٢) أخرجه في : الجنائز ، ٣ ـ باب الدخول على الميّت بعد الموت إذا أدرج في كفنه ، حديث رقم ٦٦٦.