(قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ) أي : القرآن منزلا من لدنه ، عليّ. لا سحرا ولا مفترى كما تزعمون (وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ) أي : من الواقفين على أسرار الوحي بما أوتوا من التوراة (عَلى مِثْلِهِ) أي مثل القرآن ، وهو ما في التوراة من الأحكام المصدقة للقرآن من الإيمان بالله وحده ، وهو ما يتبعه ، كقوله تعالى : (وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ) [الشعراء : ١٩٦] ، وقوله : (إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى) [الأعلى : ١٨ ـ ١٩] ، أو على مثل ما ذكر من كونه من عند الله تعالى. أو على مثل شهادة القرآن ، فجعل شهادته على أنه من عند الله ، شهادة على مثل شهادة القرآن ، لأنه بإعجازه كأنه يشهد لنفسه بأنه من عند الله ، أو (المثل) صلة و (الفاء) في قوله تعالى (فَآمَنَ) للدلالة على أنه سارع إلى الإيمان بالقرآن ، لما علم أنه من جنس الوحي الناطق بالحق (وَاسْتَكْبَرْتُمْ) أي : عن الإيمان به بعد هذه الشهادة.
وقوله (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) استئناف مشعر بأن كفرهم ، لضلالهم المسبب عن ظلمهم. ودليل على الجواب المحذوف. مثل : (ألستم ظالمين) أو (فمن أضل منكم) وذلك عدم الهداية مما ينبئ عن الضلال قطعا ، فيكون كقوله في الآية الأخرى (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقاقٍ بَعِيدٍ) [فصلت : ٥٢].
قال أبو السعود : ووصفهم بالظلم للإشعار بعلة الحكم ، فإن تركه تعالى لهدايتهم ، لظلمهم.
تنبيه :
روي أن الشاهد هو عبد الله بن سلام ، فتكون الآية مدنية مستثناة من السورة ، كما ذكره الكواشيّ ، لأن إسلامه كان بالمدينة. وأجيب : بأن لا حاجة للاستثناء ، وأن الآية من باب الإخبار قبل الوقوع ، كقوله (وَنادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ) [الأعراف : ٤٨]. ويرشحه أن (شَهِدَ) معطوف على الشرط الذي يصير به الماضي مستقبلا ، فلا ضير في شهادة الشاهد بعد نزولها ، ويكون تفسيره به بيانا للواقع ، لا على أنه مراد بخصوصه منها. هذا ما حققوه. ويقرب مما نذكره كثيرا من المراد من سبب النزول في مثل هذا ، وأنه استشهاد على ما يتناوله اللفظ الكريم.
ثم أشار إلى حكاية نوع من أباطيلهم في التنزيل والمؤمنين به ، فقال سبحانه :