في الدنيا ، وهو موفيه لهم في الآخرة ، كما قال : (وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) [الطور : ٢١].
ثم بيّن تعالى نعت من عصى ما وصّى به من الإحسان لوالديه ، من كل ولد عاقّ كافر ، وما له في مآله ، بقوله سبحانه :
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما أَتَعِدانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُما يَسْتَغِيثانِ اللهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَيَقُولُ ما هذا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) (١٧)
(وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ) أي حين دعواه إلى الإيمان والاستقامة (أُفٍّ لَكُما) أي : من هذه الدعوة (أَتَعِدانِنِي أَنْ أُخْرَجَ) أي : أبعث من قبري بعد فنائي (وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي) أي : هلكت ولم يرجع أحد منهم (وَهُما يَسْتَغِيثانِ اللهَ) أي : يطلبان الغياث بالله منه. والمراد إنكار قوله ، واستعظامه ، كأنهما لجئا إلى الله في دفعه ، كما يقال (العياذ بالله)! أو المعنى : يطلبان أن يغيثه الله بالتوفيق ، حتى يرجع عما هو عليه (وَيْلَكَ آمِنْ) أي : صدّق بوعد الله ، وأقرّ أنك مبعوث بعد موتك. و (وَيْلَكَ) في الأصل معناه الدعاء بالهلاك ، فأقيم مقام الحث على فعل أو ترك ، للإيماء إلى أن مرتكبه حقيق بأن يطلب له الهلاك ، فإذا سمع ذلك ترك ما هو فيه ، وأخذ ما ينجعه (إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌ) أي : إن وعده تعالى لخلقه ، بأنه يبعثهم من قبورهم إلى موقف الحساب ، لمجازاتهم بأعمالهم ، حق لا شك فيه (فَيَقُولُ) أي : مجيبا لوالديه ، ورادّا عليهما نصيحتهما ، وتكذيبا بوعد الله (ما هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) أي : أباطيلهم التي كتبوها.
القول في تأويل قوله تعالى :
(أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ) (١٨)
(أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ) أي : الإلهي ، وهو العذاب (فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) أي : الذين كذبوا رسل الله ، وعتوا عن أمره (إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ) أي : ببيعهم الهدى بالضلال ، والباقي بالفاني.
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمالَهُمْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (١٩)