(وَلِكُلٍ) أي من الفريقين (دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا) أي : مراتب من جزاء ما عملوا من صالح وسيء (وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمالَهُمْ) أي جزاءها (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) أي بنقص ثواب ، ولا زيادة عقاب.
تنبيه :
روى ابن جرير عن ابن عباس أن هذه الآية نزلت في ابن لأبي بكر الصديق. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدّيّ قال : نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر ، قال لأبويه ـ وهما أبو بكر وأم رومان ، وكانا قد أسلما وأبى هو أن يسلم ، فكانا يأمرانه بالإسلام ، فكان يرد عليهما ويكذبهما ويقول : فأين فلان ، وأين فلان؟ يعني مشايخ قريش ممن قد مات. فأسلم بعد ، فحسن إسلامه ـ فنزلت توبته في هذه الآية (وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا). قال الحافظ ابن حجر : لكن نفي عائشة أن تكون نزلت في عبد الرحمن وآل بيته ، أصح إسنادا وأولى بالقبول. وذلك ما رواه البخاري (١) والإسماعيليّ والنسائيّ وأبو يعلى ؛ أن مروان كان عاملا على المدينة ، فأراد معاوية أن يستخلف يزيد ، فكتب إلى مروان بذلك ، فجمع مروان الناس فخطبهم ، فذكر يزيد ، ودعا إلى بيعته وقال : إن الله أرى أمير المؤمنين في يزيد رأيا حسنا ، وإن يستخلفه ، فقد استخلف أبو بكر وعمر. فقال عبد الرحمن : ما هي إلا هرقلية! فقال مروان : سنة أبي بكر وعمر. فقال عبد الرحمن : هرقلية! إن أبا بكر ، والله! ما جعلها في أحد من ولده ، ولا في أهل بيته ، وما جعلها معاوية إلا كرامة لولده! فقال مروان : خذوه. فدخل بيت عائشة ، فلم يقدروا عليه. فقال مروان : إن هذا الذي أنزل الله فيه (وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما أَتَعِدانِنِي) فقالت عائشة من وراء الحجاب : ما أنزل الله فينا شيئا من القرآن ، إلا أن الله أنزل عذري. ولو شئت أن أسمي من نزلت فيه لسميته ، ولكن رسول الله لعن أبا مروان ، ومروان في صلبه.
ومما يؤيده أن (الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ) هم المخلدون في النار في علم الله تعالى ، وعبد الرحمن كان من أفاضل المسلمين وسرواتهم. وحاول بعضهم عدم التنافي بأن يقع منه ذلك قبل إسلامه ، ثم يسلم بعد ذلك. ومعلوم أن الإسلام يجبّ
__________________
(١) أخرجه في : التفسير ، ٤٦ ـ سورة الأحقاف ، ١ ـ باب (وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ) ، حديث رقم ٢٠٤٣ ، عن عائشة.