قال الماورديّ : لم يختلف أهل العلم أنه يجوز أن يبعث إليهم رسولا من الإنس ، واختلفوا في جواز بعثة رسول منهم ، فجوّزه قوم لقول الله تعالى : (يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ) [الأنعام : ١٣٠] ، ومنع آخرون منه. وهذا قول من جعلهم من ولد إبليس ، وحملوا قوله (أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ) على الذين لما سمعوا القرآن ، وولّوا إلى قومهم منذرين. انتهى.
أقول : ونظيره تسمية رسل عيسى عليهالسلام رسلا في آية (إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ) [يس : ١٤].
الرابع ـ استدل بقوله (يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) من ذهب من العلماء إلى أن الجن المؤمنين لا يدخلون الجنة ، وإنما جزاء صالحيهم أن يجاروا من عذاب النار يوم القيامة. إذ لو كان لهم جزاء على الإيمان أعلى من هذا ، لأوشك أن يذكروه.
قال الماورديّ : فأما كفارهم فيدخلون النار ، وأما مؤمنوهم ، فقد اختلفوا في دخولهم الجنة ثوابا على إيمانهم. فقال الضحاك : ومن جوز أن يكون رسلهم منهم ، يدخلون الجنة. وحكى سفيان عن ليث أنهم يثابون على الإيمان بأن يجازوا على النار خلاصا منها ، ثم يقال : لهم : كونوا ترابا كالبهائم. انتهى.
والحق ـ كما قال ابن كثير ـ أن مؤمنهم كمؤمن الإنس ، يدخلون الجنة ، كما هو مذهب جماعة من السلف. وقد استدل بعضهم لهذا بقوله عزوجل (لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ) [الرحمن : ٥٦ و ٧٤] ، وفي هذا الاستدلال نظر ، وأحسن منه قوله جلّ وعلا (وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) [الرحمن : ٤٦ ـ ٤٧] ، فقد امتنّ تعالى على الثقلين بأن جعل جزاء محسنهم الجنة. وقد قابلت الجن هذه الآية بالشكر القوليّ أبلغ من الإنس ، فقالوا : ولا بشيء من آلائك ربنا نكذب ، فلك الحمد. فلم يكن تعالى ليمتنّ عليهم بجزاء لا يحصل لهم. وأيضا ، فإنه إذا كان يجازي كافرهم بالنار ، وهو مقام عدل ، فلأن يجازي مؤمنهم بالجنة ، وهو مقام فضل ، بطريق الأولى والأحرى. ومما يدل أيضا على عموم ذلك قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً) [الكهف : ١٠٧] ، وما أشبه ذلك من الآيات. وما ذكروه هاهنا من الجزاء على الإيمان ، من تكفير الذنوب ، والإجارة من العذاب الأليم ، هو يستلزم دخول الجنة ، لأنه ليس في الآخرة إلا الجنة أو النار. فمن أجير من النار دخل الجنة لا