محالة ، ولم يرد معنا نص صريح ولا ظاهر عن الشارع ، أن مؤمني الجن لا يدخلون الجنة ، وإن أجيروا من النار ، ولو صح لقلنا به ، والله أعلم. وهذا نوح عليه الصلاة والسلام يقول لقومه (يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) [نوح : ٤] ولا خلاف أن مؤمني قومه في الجنة ، فكذلك هؤلاء. وقد حكي فيهم أقوال غريبة. فعن عمر بن عبد العزيز أنهم لا يدخلون بحبوحة الجنة ، وإنما يكونون في ربضها وحولها وفي أرجائها. ومن الناس من زعم أنهم في الجنة يراهم بنو آدم ، ولا يرون بني آدم بعكس ما كانوا عليه في الدار الدنيا. ومن الناس من قال : لا يأكلون في الجنة ولا يشربون ، وإنما يلهمون التسبيح والتحميد والتقديس ، عوضا عن الطعام والشراب ، كالملائكة ، لأنهم من جنسهم. وكل هذه الأقوال فيها نظر ، ولا دليل عليها. انتهى.
الخامس ـ قيل : سر التبعيض في قوله (مِنْ ذُنُوبِكُمْ) أن من الذنوب ما لا يغفر بالإيمان ، كذنوب المظالم ، أي : حقوق العباد. وفيه نظر ، لأن الحربيّ لو نهب الأموال المصونة ، وسفك الدماء المحقونة ، ثم حسن إسلامه ، جبّ الإسلام عنه إثم ما تقدم. بلا إشكال. ويقال : إنه ما وعد المغفرة للكافر على تقدير الإيمان في كتاب الله تعالى إلا مبعضة ، والسر فيه أن مقام الكافر قبض لا بسط ، فلذلك لم يبسط رجاؤه كما في حق المؤمن ـ أفاده الناصر ـ.
السادس ـ قال ابن كثير : جمعوا في دعواهم قومهم بين الترغيب والترهيب ، ولهذا نجع في كثير منهم ، وجاءوا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم وفودا وفودا ، كما تقدم بيانه. السابع ـ قال الماورديّ : الجن من العالم الناطق المميز ، يأكلون ويتناكحون ويتناسلون ويموتون ، وأشخاصهم محجوبة عن الأبصار ، وإن تميزوا بأفعال وآثار ، إلا أن الله يخص برؤيتهم من يشاء. وإنما عرفهم الإنس من الكتب الإلهية ، وما تخيلوه من آثارهم الخفية.
وقال القاشاني : الجن نفوس أرضية تجسدت في أبدان لطيفة مركبة من لطائف العناصر ، سماها حكماء الفرس (الصور المعلقة). ولكونها أرضية متجسدة في أبدان عنصرية ، ومشاركتها الإنس في ذلك ، سميا (ثقلين). وكما أمكن الناس التهدّي بالقرآن أمكنهم. وحكاياتهم من المحققين وغيرهم أكثر من أن يمكن رد الجميع ، وأوضح من أن يقبل التأويل. انتهى.