القول في تأويل قوله تعالى :
(أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى بَلى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (٣٣)
(أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى) أي بإعادة الروح إلى الجسد ، بعد مفارقتها إياه ، وإخراجهم من قبورهم كهيئتهم قبل وفاتهم.
وفي ابن جرير بحث نحويّ في دخول الباء في (بِقادِرٍ) بديع. ويذكر في مباحث زيادة الباء ، في مطولات العربية.
(بَلى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) أي من إعادة المعدوم ، ولو فني الجسد وغيره.
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِّ قالُوا بَلى وَرَبِّنا قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (٣٤) فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ ساعَةً مِنْ نَهارٍ بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ) (٣٥)
(وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هذا) أي الإحياء إحياء (بِالْحَقِّ قالُوا بَلى وَرَبِّنا قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ فَاصْبِرْ) أي على تبليغ الرسالة وتكذيبهم وإيذائهم (كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ) أي : أولو الثبات والجد منهم ، فإنك منهم. والعزم ـ في اللغة ـ كالعزيمة ، ما عقدت قلبك عليه من أمر. والعزم أيضا القوة على الشيء والصبر عليه. فالمراد به هنا المجتهدون ، المجدّون ، أو الصابرون على أمر الله فيما عهده إليهم ، وقدره وقضاه عليهم. ومطلق الجد والجهد والصبر موجود في جميع الرسل ، بل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، وكثير من الأولياء. فلذا ذهب جمهور المفسرين في هذه الآية إلى أنهم جميع الرسل ، وأن (من) بيانية لا تبعيضية ، فكل رسول من أولي العزم ، فإن أريد به معنى مخصوص ببعضهم ، فلا بد من بيانه ليظهر وجه التخصيص. ومنشأ الاختلاف في عددهم إلى أقوال : أحدها ـ أنهم جميع الرسل. والثاني ـ أنهم أربعة : نوح وإبراهيم وموسى ومحمد. والثالث ـ أنهم خمسة بزيادة عيسى ، كما قيل :