العرب من كل وجه ، فكان منهم وفد بني تميم. فلما دخلوا المسجد نادوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم من وراء حجراته : أن اخرج إلينا يا محمد! فآذى ذلك رسول الله صلىاللهعليهوسلم من صياحهم ، فخرج إليهم. ثم ساق ابن إسحاق نبأهم مطولا ثم قال : وفيهم نزل من القرآن (إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ).
الثاني ـ (الْحُجُراتِ) بضمتين ، وبفتح الجيم ، وبسكونها. وقرئ بهنّ جميعا : جمع (حجرة). وهي الرقعة من الأرض المحجورة بحائط يحوّط عليها. فعلة بمعنى مفعولة ، كالغرفة والقبضة.
قال الزمخشريّ : والمراد حجرات نساء رسول الله صلىاللهعليهوسلم. وكانت لكل واحدة منهن حجرة. ومناداتهم من ورائها يحتمل أنهم قد تفرّقوا على الحجرات ، متطلبين له ، فناداه بعض من وراء هذه ، وبعض من وراء تلك ، وأنهم قد أتوها حجرة حجرة ، فنادوه من ورائها. وأنهم نادوه من وراء الحجرة التي كان فيها. ولكنها جمعت إجلالا لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ولمكان حرمته. والفعل ـ وإن كان مسندا إلى جميعهم ـ فإنه يجوز أن يتولّاه بعضهم ، وكان الباقون راضين ، فكأنهم تولوه جميعا.
الثالث ـ قال الزمخشريّ : ورود الآية على النمط الذي وردت عليه ، فيه ما لا يخفى على الناظر من بينات إكبار محل رسول الله صلىاللهعليهوسلم وإجلاله.
منها ـ مجيئها على النظم المسجل على الصائحين به ، بالسفه والجهل ، لما أقدموا عليه.
ومنها ـ لفظ (الْحُجُراتِ) وإيقاعها ، كناية عن موضع خلوته ومقيله مع بعض نسائه.
ومنها ـ المرور على لفظها بالاقتصار على القدر الذي تبين به ما استنكر عليهم.
ومنها ـ التعريف باللام دون الإضافة.
ومنها ـ أن شفع ذمهم باستجفائهم واستركاك عقولهم ، وقلة ضبطهم لمواضع التمييز في المخاطبات ، تهوينا للخطب على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وتسلية له ، وإماطة لما تداخله من إيحاش تعجرفهم ، وسوء أدبهم ، وهلم جرا ... من أول السورة إلى آخر هذه الآية. فتأمل كيف ابتدئ بإيجاب أن تكون الأمور التي تنتمي إلى الله ورسوله ، متقدمة على الأمور كلها ، من غير حصر ولا تقييد. ثم أردف ذلك النهي عما هو من جنس التقديم من رفع الصوت والجهر ، كأن الأول بساط للثاني ، ووطاء لذكره. ثم